16.05.2024

الرحم كسلاح في فلسطين

يدرس المقال العنف النظامي ضد الصحة الانجابية والجنسية للنساء الفلسطينيات، مصورًا الرحم على أنه هدف للعدوان وأداة للمقاومة في ظل الصراع المستمر في فلسطين.

لطالما شكّلت الخصوبة وجنسانية النساء أهدافاً للعنف خلال الحروب وحملات الإبادة الجماعية. وفي فلسطين، لطالما اعتبرت إسرائيل الدور الإنجابيّ للنساء العربيات بمثابة "تهديد ديموغرافي"، وأخضعتهن للعنف الممنهج في سبيل تعطيل عملية إعادة الإنتاج الثقافي والاجتماعي والبيولوجي للشعب الفلسطيني. ولا تشمل تكتيكات إسرائيل حرمان النساء من الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية وتدمير المرافق الطبية فحسب، بل تشمل أيضاً العنف الموجّه ضد النساء، بما في ذلك الإذلال النفسيّ، والإيذاء الجسديّ، والاغتصاب.

في أعقاب نكبة عام 1948، بحثت المفكرات/ون الفلسطينيات/ون في التقاطع بين تحرير النساء والتحرّر الوطني في السياق الفلسطيني، وبرزت استعارة "فلسطين كامرأة والنساء كفلسطين" كرمز مهمّ في النضال الوطني ضد الاحتلال. تعكس هذه الفكرة كيف نُسج دور النساء كأمهات في ممارسة المقاومة اليومية، الأمر الذي أودى بتأنيث هذه المقاومة.

الرحم: السلاح البيولوجي

تتشكل حياة النساء الفلسطينيات بشكل عام في ظل الأدوار الجندرية التقليدية؛ إنهن ربات البيوت اللواتي يحافظن على الحياة المنزلية، والأمهات اللواتي ينجبن السكان. ومع تَعَرُّض الفلسطينيات/ين بشكل متزايد منذ النكبة للسيطرة العسكرية من قِبَل القوات الإسرائيلية، أوجد ظهور حركة المقاومة للنساء أدواراً جديدة غير تقليدية كمقاتلات ومِهنيات وقادة مجتمع مدني وعضوات في الأحزاب السياسية. ورغم ذلك، يبقى الإنجاب ذا أهمية قصوى في المعركة الديموغرافية ضد الاحتلال، ويظل جانباً مُحدداً لدور النساء في النضال الوطني.

تدرك الحركة الوطنية الفلسطينية القوة الحاسمة للقدرة الإنجابية الّتي تتمتع بها النساء باعتبارهن أمهات الأمة. فالرحم، بالنسبة للمقاومة، سلاح يمكنه الحفاظ على استمرارية المجتمع والتعويض - إلى حد ما - عن عدم التكافؤ في موازين القوة مع إسرائيل. وكان زعيم المقاومة الراحل ياسر عرفات يتباهى بـ "رحم المرأة الفلسطينية" باعتباره "السلاح الأقوى ضد الصهيونية" وبشير النصر المقبل. وبقدر ما ينظر إلى "الرحم" كمصدر للقوة في السياق الفلسطيني، فإن اغتيال هذا العدد من النساء والأطفال خلال الأشهر الستة الماضية في غزة يظهر أن إسرائيل تعتبرهم تهديداً.

تدمير "القوة الإنجابية" للنساء الفلسطينيات

حتى وقت كتابة هذه المدونة، أفاد مكتب الإحصاء الفلسطيني أن 34,149 شخصًا استشهدوا في قطاع غزة على يد إسرائيل، كان من بين هؤلاء 9,220 امرأة و14,000 طفل. وتشير إسرائيل إلى هذه الخسائر الأخيرة على أنها "أضرار جانبية". ولكن عندما ندرك أن الأطفال هم مستقبل الشعب الفلسطيني وأن النساء هن حاملات هذا الجيل القادم، يمكننا أن نفهم لماذا يتعدى هذا كونه مجرد حادث حرب.

لم يكن أمام العديد من النساء في غزة خيار سوى الخضوع لولادات مؤلمة دون أي تخدير. فعندما يقطع الجيش الإسرائيلي الكهرباء عن المرافق الطبية، لا يكون لدى الأطباء سوى مصابيح هواتفهم المحمولة لإجراء العمليات الجراحية. كما تَمَّ استهداف المستشفيات بحد ذاتها بالقصف العنيف. وقد أدت هذه الظروف إلى زيادة خطر موت الجنين والولادات المبكرة بشكل كبير، حيث تتعرض النساء الحوامل للضغط الشديد والصدمة والخوف. وقد توفي العديد من الأطفال حديثي الولادة في الفترة المبكرة بعد الولادة بسبب نقص الوقود والكهرباء اللازمَين لتغذية حاضناتهم. كما أدى الحصار إلى عدم حصول النساء على ما يكفي من المياه لتنظيف أجسادهن بشكلٍ كافٍ بعد الولادة، واضطر بعضهن إلى اللجوء لعمليات استئصال الرحم للسيطرة على نزيف ما بعد الولادة. وأدى انتشار الجوع على نطاق واسع في جميع أنحاء غزة إلى استحالة إنتاج الأمهات للحليب والإرضاع.

وصفت تغريد الأشقر تجربتها المروعة أثناء الولادة وسط النزوح:

"لقد أنجبت بعملية قيصرية. وبعد ثلاثة أيام، وبينما كنت لا أزال أعاني من الغرز، اضطررنا للفرار من مخيم جباليا للجوء. ولم تكن [الطفلة] في حالة جيدة. لا حفاضات ولا حليب، لم يكن لدينا أيّ شيء. منذ أن أتينا إلى هنا، عانت من الأنفلونزا ونزلات البرد والكثير من السعال. إذا كنت بحاجة إلى العلاج بالرذاذ، فلن تجده. الأدوية غير متوفرة. فمها مصاب. حتى الملابس غير متوفرة. ننبش لنجد ما نحتاجه من هنا وهناك، لكن الجو ليس دافئًا بدرجة كافية بالنسبة لها".

تواجه ما يقرب من مليون امرأة وفتاة نازحات في غزة تحديات شديدة في الوصول إلى مستلزمات النظافة الشخصية، مما يؤدي إلى تفاقم ظروفهن المعيشية الصعبة أساساً. لجأت العديد منهن إلى استخدام مواد مرتجلة مثل الشرائط من خيمهن وقطع الملابس كفوط صحية، في حين لجأ البعض منهن إلى أقراص نوريثيستيرون التي تستخدم عادة لاضطرابات الدورة الشهرية في محاولة لوقفها. وقد تسبب الإجهاد الشديد والحرمان من الطعام خلال الأشهر الستة الماضية في حدوث اضطرابات في الدورة الشهرية لدى بعض النساء.

العنف الجنسي ضد المعتقلات – شهادات

أدلت نساء فلسطينيات بشهاداتهن حول حوادث تعذيب وعنف جنسي مروعة حدثت في السجون الإسرائيلية بعد يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر). أعدّ مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في فلسطين تقريراً تم تقديمه إلى الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، والذي وصّف التهديد بالاغتصاب والاعتداء الجنسي، وعمليات التفتيش العاري المهينة للسجناء، والتفتيش الجماعي العاري، والتحرش الجنسي اللفظي، واستخدام الحيض كوسيلة للضغط الجسدي والنفسي على السجينات. ويشمل ذلك حرمان النساء من الفوط الصحية ومستلزمات النظافة والملابس المغسولة، وتقييد استخدامهن للحمامات، وانتهاك خصوصيتهن، وإجبارهن على خلع أحجبتهن، والتقاط صورهن وتداولها على الهواتف الشخصية، وإجبارهن على البقاء في غرف مكتظة.

وشهدت الصحفية والكاتبة لمى خاطر بأنها تعرضت بعد اعتقالها للتهديد بالاغتصاب والاعتداء الجنسي: “كنت محاطةً بعشرين محققاً وضابط استخبارات، وكنت مقيدة اليدين ومعصوبة العينين. بدأ الضباط بتهديدي بالاغتصاب لإذلالي. لقد كان الأمر خسيساً جدًا – الطريقة التي كانوا يناقشون بها الأشكال المختلفة للاغتصاب.”

وفي شهادة أخرى، وصفت عهد التميمي كيف جُردت من ملابسها وتعرضت للضرب بشكل متكرر على كامل جسدها في ثلاث مناسبات: "لقد جُردت من ملابسي، واقتُدت إلى الحمام وتعرضت للضرب على جميع أنحاء جسدي بينما كنت مستلقيةً على الأرض."

ووصفت حنان البرغوثي محنتها مع التحرش الجنسي بالآتي: “كانت أيدي الجنود تلمسني في مناطق مختلفة من جسدي، وخاصة في منطقة الصدر، بحجة الإمساك بي خوفاً عليّ من السقوط. جعلني تلمّسهم لي أصرخ بأعلى صوتي، وأطلب منهم أن يتركوني وشأني، وأن يبتعدوا عني، وألا يلمسوني. ولكن كان ذلك دون جدوى."

سلاح حياة

في إطار حروب الإبادة الجماعية، غالباً ما تصبح أجساد النساء محطة عراك جنساني وهدفاً للعنف من قبل أصحاب الأجندات الاستعمارية. لقد أدركت دولة إسرائيل أن الرحم سلاح للشعب الفلسطيني. وفي هجومها على الأمومة الفلسطينية، حاولت إسرائيل تفتيت الهوية الوطنية، وتفكيك البنى الاجتماعية للمقاومة، والسيطرة على نموها الديمغرافي. وكما تبين بشكل سافرٍ خلال الأشهر الستة الماضية في غزة، وضعت إسرائيل النساء أيضاً في مرمى النيران كأهداف لـ "قوة الموت" الإسرائيلية، قوةٌ تمارس من خلال القتل. ولكن كما يدرك العديد من الفلسطينيات/ين، فإن الرحم ليس سلاحاً للموت، بل هو سلاح للحياة، "سلاح بيولوجي" من نوع ما. وباعتباره رمزاً ووسيلة لإعادة إنتاج الأمة، فهو يجسد أمل الناس بالمستقبل وسط هذا العنف واليأس، بالرغم من عرقلة وانتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار بشكل متكرر.

إن لم ننه الحرب ... الحرب ستنهينا
هيربرت جورج ويلز

تامي رفيدي ناشطة سياسية ونسوية فلسطينية تعمل حالياً كمديرة برامج في مؤسسة فريدريش إيبرت – مكتب فلسطين. حصلت تامي على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها ودرجة الماجستير في الدراسات الدولية من جامعة بيرزيت – فلسطين.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت

Friedrich-Ebert-Stiftung

المكتب الإقليمي للجندر والنسوية

202491 1 961+
338986 1 961+
feminism.mena(at)fes.de

من نحن

الانضمام الى نشرتنا النسوية