يعد الخيار الشخصي مسألة إشكالية في العدالة المناخية، ووثيق الصلة بالعدالة البيئية. بعيداً عن ثنائية الأفراد والبُنى، يمكن للخيار الشخصي أن يكون شكلاً سياسياً متعاطفاً من أشكال الناشطية.
إن الخيار الشخصي والعمل الفردي مسألتان إشكاليتان في العدالة المناخية، ووثيقا الصلة بالعدالة البيئية. فبالنسبة إلى العدالة المناخية، نحن بحاجة إلى تغييرات بنيوية، والعمل الفردي ليس مؤثراً في الغالب إلا إذا كنا من 10% من أصحاب أعلى معدلات الدخل في العالم. أما بالنسبة إلى العدالة البيئية، يرتبط الخيار الشخصي بنوع البيئة التي نعيش فيها، وكيفية فهمنا لها. كذلك في إطار النسوية البيئية ونظرية الرعاية النسوية، نعترف بأن المكونات الحية في أي بيئة تخبرنا بالطريقة التي ترغب بأن نعاملها بها. لذلك فإن تبني الخضرية أو النباتية الصرفة كخيار شخصي هو شكل من أشكال العدالة البيئية. وبعيداً عن ثنائية الفردي مقابل البنيوي، يمكن للخيار الشخصي أن يكون شكلاً سياسياً متعاطفاً من أشكال الناشطية.
يشير الخيار الشخصي والعمل الفردي في سياق العدالة المناخية والبيئية، إلى أنماط الحياة والتنقل واستهلاك الطاقة والخدمات والمنتجات والغذاء والملابس، وغير ذلك. لهذه الخيارات آثار في سياق العدالة البيئية، ولكنها إشكالية في سياق العدالة المناخية. فالعدالة المناخية تنطلق من أن الناس لا يُعانون من آثار تغير المناخ على قدم المساواة، ولا يتحملون قدراً متساوياً من مسؤولية تخفيف آثاره. إنما توجد أبعاد طبقية واستعمارية للمسؤولية التاريخية والسياسية لهذه الكارثة العالمية.
يعزو علماء الأرض ظاهرة الاحتباس الحراري إلى الثورة الصناعية وبدايات الرأسمالية الحديثة في أوروبا. استفاد الشمال العالمي من إرثه الاستعماري، فطوّر اقتصادات بلدانه وبناها التحتية، ولكنه إثر استخراجه الموارد من الجنوب العالمي، وقمعه العنيف للسكان الأصليين في كل مكان، ترك شتى الأراضي والمجتمعات بأحوالٍ هشة. اليوم، يتجلى هذا التآزر الطفيلي الاستخراجي الــرأسمالي و(ما بعد)الاستعماري في مسؤولية مئة شركة في العالم عن 71% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
يمكن قياس البعد الطبقي على مستوى الأفراد أيضاً. أعلى 10% من أصحاب الدخل في العالم مسؤولون/ات عن 50% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لكل فرد، بينما الـ 50% من أقل أصحاب الدخل في العالم مسؤولون/ات عن 10% من الانبعاثات فقط. مع ذلك تستمر الرأسمالية والنيوليبرالية بإلقاء اللوم على الناس، وتبرئ نفسها من مسؤولية الشركات الدولية والبنى القائمة، وتدعو لتطبيق حلول مفرطة الفردانية كناشطية مناخية فعالة. لذلك يمثل الخيار الشخصي إشكالية في سياق العدالة المناخية، عندما ينطبق على معظم الناس ما عدا أعلى 10% من أصحاب الدخل في العالم. فالعدالة تتطلب تغييراً بنيوياً وجذرياً، ومساءلة مؤسساتية، وتعويضات عن الضرر البيئي الفردي والجماعي.
العمل المناخي هو أي إجراء يساعد على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتخفيف عواقب تغير المناخ. أما العمل البيئي فيركز على المحافظة على النظم البيئية المحلية ونوعية الحياة، واستدامة الموارد الطبيعية في مكان معين. ومع أن العولمة جعلت من الصعب فصل المحليّ عن العالمي، إلا أن الخيار الشخصي ما يزال وثيق الصلة بالعدالة البيئية. يستمد الخيار أو السلوكي الفردي ثقلهما من طبيعة الفعل أو نمطه أو آثاره على نظام بيئي معين، وعلى ما يندرج، ومن نُدرج في تعريفاتنا لمفهومي الطبيعة والعدالة.
إن العيش بنمط حياة خالي من النفايات والتقنين في استهلاك المياه مهمان لأي بيئة محلية، بالرغم من الحواجز البنيوية، كالطبقة الاجتماعية على سبيل المثال، التي تتحكم بإمكانية الوصول إلى المياه النظيفة. فنمط حياة وسلوكيات من لديهم إمكانية الوصول تؤثر على توفر المياه الجوفية واستدامتها. لذلك فإن المطالبة بالتغيير البنيوي تسير جنباً إلى جنب مع العمل الفردي في سياق العدالة البيئية. ولكن ما زلنا نتحدث عن العدالة للناس، للبشر. ماذا عن العدالة لـ «العالم الطبيعي"؟
عند تخيل الطبيعة، يستحضر معظم الناس مشاهداً لمساحات خضراء وحياة برية، أو صوراً لكوارث طبيعية. كلا الصورتين اختزاليتان، فالأولى رومنسية واستوائية وخيّرة، والأخرى متقلبة ومأساوية. النباتات والأشجار والغابات فيهما أشياء جامدة، والحيوانات وحوش بلا عقل وروح، أو روبوتات تعيش في حاضر دائم. أما الإنسان في كلا الحالتين كائن منفصل ذو ذكاء فائق، يحتاج إلى تأكيد سيطرته على الطبيعة لصالح نوعه. تعتبر النسويات/ين البيئيات/ين هذا المنطق العنصري من حيث النوع، امتداداً لادعاءات الهيمنة الأنظمة الأبوية والاستعمارية والرأسمالية والعنصرية على أساس القدرة العقلية والبدنية.
أما فيما يتعلق بالخيار الشخصي والعدالة تجاه "العالم الطبيعي" وبالتحديد تجاه الحيوانات غير البشرية فإن بعض النسويات/ين البيئيات/ين يلتفتن/ون إلى نظرية الرعاية النسوية في مقاربتهن/م للأخلاق. لذا، تقر النسويات/ين البيئيات/ين بأن الحيوانات غير البشرية ذات وعي وقدرة على الإحساس والتواصل، وأنها تخبرنا على الدوام بأسلوب المعاملة الذي تفضله. وبنفس الطريقة التي نعترف فيها بالأصوات المجابهة لهيمنة الرأسمالية والنظام الأبوي، ينبغي علينا احترام وجهة نظر الحيوانات، فهي لا ترغب بالتعرض إلى الأذى، أو أن يتم أكلها أو استغلالها أو التجريب العلمي عليها أو استغلالها بأي شكل من الأشكال. احترام وجهة النظر هذه يعني تبني أسلوب حياة خضري أو نباتي صرف، فالنباتية كخيار شخصي أمر أساسي في تحقيق العدالة البيئية.
هناك خطاب يكتسب شعبية حول الخيار الشخصي، يرى أن العمل الفردي يتناقض ولا يتوافق مع تغيير النظام، ويدعي أن الخيار الشخصي تكتيك إلهاء عن محاسبة الجناة الحقيقيين. مع ذلك، فإن الأمرين ليسا متعارضين. لم تخترع الرأسمالية الخيار الشخصي البيئي، إنما نزعت عنه صبغته السياسية والتاريخية. وقبل وقت طويل من استخدامها له كأداة تسويق، أو وسيلة لإنفاذ خطط العلاقات العامة أو حتى كبروباغندا تضليلية، كان الخيار الشخصي البيئي وسيلة للمقاومة والتحدي يستخدمها السكان الأصليين والمدافعات والمدافعين عن البيئة.
إننا بحاجة اليوم للتأكيد على أن العمل الفردي والخيارات الشخصية ذات المعنى يمكن أن تكون أساليب مقاطعة ورفض لأنماط الاستهلاك الحديثة وسلاسل التوريد العالمية والنزعة الاستهلاكية، ويمكن أن تمثل جزءاً من جهودنا الجماعية وحصيلة الخيارات الاقتصادية التي يمكنها استعادة النظم البيئية المجتمعية المحلية والدعم المتبادل. كما يمكنها أن تكون خطوات باتجاه تشكيل واقع مبني على العدل والتعاطف، على عكس الأنظمة الوحشية التي تتحكم بحيواتنا وتدمر العالم الطبيعي.
رهام قنوت رفاعي (الضمير: هي) ناشطة نسوية تقاطعية وبيئية من سورية، مقيمة في لبنان، وتعمل حاليا كباحثة.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت
المكتب الإقليمي للجندر والنسوية
202491 1 961+338986 1 961+feminism.mena(at)fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/