11.07.2024

الجزائر: كفاح النساء العاملات في القطاع غير الرسمي

تتناول هذه المقالة التحدّيات المتراكمة التي تواجه النساء السّكان والمهاجرات في الجزائر ، عند مشاركتهن في العمل غير الرسمي.

تحلم ليلى (اسمٌ مستعارٌ)، وهي مدرّبةٌ في صالةٍ رياضيّةٍ بالجزائر العاصمة، بشقّةٍ سكنيّةٍ لائقةٍ، حيث تعبت وزوجها من كِراء (إيجار) المنازل طيلة سنين زواجهما الخمس. "نفذت أموالنا في الإيجار. نسكن شقّةً متواضعةً جدّاً بسبب سعرها الزهيد كي نوفّر قليلاً من أجل شراء سكن." ترى ليلى ذلك حلماً بعيد المنال بسبب عدم امتلاكها لوظيفةٍ تسمح لها بالاستفادة من التسهيلات السكنية التي توفرها الدولة لصاحبات وأصحاب الوظائف الرسميّة المصرّح بهنّ/م. تعاني ليلى من صعوبات العمل غير الرسميّ، حيث تعمل دون عقودٍ، ولا تستفيد من التأمين الاجتماعيّ أو المزايا الأخرى التي ت/يتمتع بها الموظّفات/ون الرسميّات/ون. تعكس حالتها وضع الكثير من النساء في الجزائر، واللواتي يجدن أنفسهنّ مضطراتٍ للعمل في ظروفٍ غير مستقرّةٍ وغير محميّةٍ قانونيّاً.

لقد كان عمل النساء غير الرسميّ حاضراً دائماً في سوق العمل في الجزائر، لكنّه تطوّر إلى أبعادٍ مثيرةٍ للقلق منذ بداية عمليّة تحرير الاقتصاد الوطنيّ بداية الثمانينات. وللعمل غير المصرّح به عدة تسميات، فقد يطلق عليه العمل غير الرسميّ، أو العمل الأسود أو الاقتصاد غير المنظّم. واعتمدت منظّمة العمل الدوليّة هذه التسمية الأخيرة، حيث أنه يصنّف في خانة الاقتصاد غير المنظّم، فاليد العاملة غير المنظّمة "لا يعترف بهم ولا يتم تسجيلهم ولا تنظيمهم في ظل تشريع العمل والحماية الاجتماعية".

ويتواجد العمل غير الرسميّ، بشكلٍ رئيسيٍّ، في القطاع الخاص. يرتبط هذا التواجد حسب البحوث "بالتراخي من قبل أجهزة الدولة التي من المفترض أن تطبّق تشريعات العمل" في ظلّ وضعٍ لا تتجاوز فيه نسبة النساء العاملات في القطاع الرسميّ 17 بالمائة، حسب مجلّة "النساء بدليل الأرقام" الصادرة عن المؤسّسة من أجل المساواة (CIDDEF). الباحث في علم الاجتماع، سمير لعرابي، والّذي شارك في دراسةٍ حول وضع القطاع الخاصّ في الجزائر، يصف هذا القطاع بأنّه منطقةٌ خارجةٌ عن القانون لا تُحترم فيها تشريعات العمل، فلا توجد عقود عملٍ، ولا يتم التصريح عن العملات والعمّال للضمان الاجتماعيّ، كما لا تتوافر إجازات الأمومة ولا المزايا الاجتماعيّة الأخرى. ويتركّز العمل غير الرسميّ للنساء بشكلٍ رئيسيٍّ في قطاعات النسيج والأغذية الزراعيّة والتجارة والخدمات.

أحلامٌ بسيطةٌ وأجورٌ زهيدةٌ

تلجأ النساء غالباً إلى العمل غير المصرّح به كاستجابةٍ اجتماعيّةٍ على فشل الاقتصاد الرسميّ في استيعابهنّ وتعرضهنّ للتميز الجندريّ والاجتماعيّ أثناء رحلة البحث عن عمل. يضاف ذلك إلى اختلال ديناميّات القوّة حين تقوم السلطة بتوزيعٍ غير متساوٍ بين الأفراد في نفس المجتمع. فالمرأة في الجزائر لا تمتلك الكثير من السلطة في مجال العمل، مما يعيق تطوّرها، خاصّةً في ظل اقتصادٍ ريعيٍّ نامٍ.

تعود ليلى للحديث عن بدايات عملها غير الرسميّ: "الأمر الّذي دفعني للعمل بطريقةٍ غير رسميّةٍ هو الصعوبات التي واجهتها منذ التخرّج في الحصول على وظيفةٍ تتناسب مع شهاداتي ومؤهّلاتي، كما أنّ الراتب لم يكن يتناسب مع الجهد المبذول." لجأت ليلى للعمل غير الرسميّ بسبب تدنّي الأجور في الوظائف الرسميّة. ورغم نجاحها كمدرّبة، تعاني ليلى من غياب الحماية القانونيّة والمزايا الاجتماعيّة، ما يجعلها عرضةً للتسريح التعسفيّ. "بدأتُ رحلتي في مجال التدريب الرياضيّ سنة 2018، عندما اضطُررت لتوقيع عقد عملٍ مع مؤسّسةٍ عامّةٍ كعاملةٍ مهنيةٍ وبراتب عشرة آلاف دينارٍ جزائريّ، أي ما يعادل 40 دولاراً أمريكيّاً شهرياً. عملت لمدّة سنةٍ واتجهت بعدها الى القطاع الخاصّ للعمل بطريقةٍ غير رسميّةٍ مقابل راتبٍ شهريٍّ [يعادل] خمسة أضعاف راتبي الأول."

تعيش "آمال" (اسمٌ مستعارٌ) وضعاً مشابهاً، لكنّها تحمل عبء الحياة وحدها، فزوجها العاطل عن العمل يعنّفها ويعتمد عليها في توفير مصروف البيت. تقول آمال: "أصنع الحلويّات وأبيعها منذ سنوات. رفض زوجي خروجي للعمل؛ سمح لي فقط بالعمل من المنزل، ويقوم هو بتوصيل الطلبيات. أعيش وضعاً صعباً، فهو يعنّفني ويقلل من قيمة عملي." تسعى آمال لتسوية وضعها بالحصول على بطاقة حرفيٍّ للاستفادة من بعض المزايا، مثل القروض والتأمين الاجتماعيّ.

تعكس قصّة "آمال" تحديّاتٍ متعددةً تواجهها النساء الجزائريّات، كالبطالة وتبعات العمل غير الرسميّ والتمييز. كما يُجسّد عنف الزوج ومحاولته تقليص دورها مثالاً واضحاً عن العوائق الاجتماعيّة والثقافيّة الّتي تحدّ من تمكين النساء في سوق العمل. رغم ذلك، تُبرز إرادة آمال وتصميمها على تحسين وضعها المهنيّ سعياً وراء الاستقلاليّة الماليّة في خطوة نحو تحقيق العدالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

المهاجراتُ ورفاهيّة العمل الرسميّ

تواجه النساء المهاجرات وضعاً أكثر هشاشةً، حيث تعمل العديد منهنّ دون تصاريح إقامةٍ. كما تعمل أغلبهنّ في مجال العمل الرعائيّ، والّذي يتمثّل في العناية بالآخرين، كعاملات النظافة، والمساعدات، وغيرهنّ.

"إيستر" (اسمٌ مستعارٌ)، مهاجرةٌ من الكونغو، تعمل في تنظيف البيوت في الجزائر منذ عشر سنواتٍ، وتتقاضى أجراً زهيداً بالكاد يغطّي حاجياتها وأولادها. تحلم "إيستر" بالحصول على عملٍ رسميٍّ لتأمين حياةٍ مستقرةٍ لأطفالها، لكنّها تعيش في خوفٍ دائمٍ من الترحيل بسبب عدم امتلاكها أوراق إقامةٍ. التقيت ﺑ"إستر" في مستشفى مصطفى باشا، حيث أبنجبت بنتًا. تقول "إيستر" "ساعدني كثيرٌ من الأشخاص عند ولادتي، قدّموا لي الحفاظات، وعبوات الحليب، والمواد الغذائيّة، كما أنني استفدت من الرعاية الصحيّة التي تقدّمها الدولة، لكن ما يخيفني أنّني إذا خرجت وتمّ تفتيشي ولم يجدوا اوراق اقامةٍ سأرحّل على الفور." ترى "إيستر" أنّ العمل المصرّح به رفاهيّةٌ بالنسبة لها: " أعمل في تنظيف البيوت وأعمالٍ جانبيّةٍ أخرى كي أسدّد تكاليف كِراء (إيجار) منزلي. أحلم أن أسويّ وضعي وأعمل بطريقةٍ رسميّةٍ حتّى يعيش أطفالي بأمان."

أمّا "ستيفاني" (اسمٌ مستعارٌ)، مهاجرةٌ من ساحل العاج، فتعمل في حمّامٍ للنساء بأعالي منطقة بوزريعة بالعاصمة. تعاني ستيفاني من ظروف العمل غير المصرّح به هذا، لكنّها تجد راحةً في عملها الحاليّ مقارنةً بأعمالها السابقة في تنظيف البيوت ورعاية الأطفال. "أعمل في الخفاء في هذا الحمّام منذ سنواتٍ. صاحبته تعاملنا جيّداً أنا وصديقاتي. نقوم بتدليك الزبونات والاعتناء بهنّ. عملت سابقاً في أعمالٍ غير رسميّةٍ لكن لم تكن المعاملة ولا الأجر جيّدين. أجد راحتي كثيراً في هذا العمل رغم أنّه غير مصرّحٍ به؛ ما يهمّني هو البقشيش والأجر الذي اقتطع منه مبلغاً أرسله لعائلتي في ساحل العاج."

اسهامات غير معترف بها في بيئة اقتصادية هشّة

لا يحظى عمل النساء في القطاع غير الرسميّ بالتقدير الكافي بشكلٍ عامٍ. فالنساء اللواتي يعدّنّ ن الكسرة (الخبز) في المنازل ويبعنها في المقاهي يساهمن في الاقتصاد الوطنيّ، لكنهنّ لا تُقدَّرن بشكلٍ مناسبٍ. يضاف ذلك إلى النساء اللواتي يعملن كخيّاطاتٍ في منازلهنّ، على سبيل المثال، فأحياناً يخطن أزياءً موحدةً لورشاتٍ كبيرةٍ، لكنّنا لا نسمع عنهنّ أبداً. الممرّضات اللواتي يعملن في المنازل، والفلّاحات هنّ مثالٌ آخرٌ. هؤلاء النساء يساهمن في الاقتصاد الوطنيّ، لكن لا يُعترف بهنّ بشكلٍ كافٍ.

تعاني العاملات في الاقتصاد غير الرسميّ من ظروفٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ هشّةٍ، تتجلى في انخفاض الأجور والاستغلال المفرط والتحرّش الجنسيّ، دون القدرة على الدفاع عن أنفسهنّ. يقول سمير لعرابي في حوارنا معه : "القطاع غير الرسميّ يدمّر المرأة بسبب الضغوط المرتبطة باستدامة العمل، والمضايقات المتعدّدة، وعدم قدرتها على الدّفاع عن نفسها بشكلٍ جماعيٍّ."

ويؤثّر العمل غير الرسميّ، بالدرجة الأولى، على النساء العاملات الخاضعات لنظام العمل في الورش والمصانع. يشدد لعرابي على أنّه وبالرغم من تأثير العمل غير المصرّح به على الاقتصاد الوطنيّ، إلا أنه قابلٌ للتعافي منه. بالمقابل، قد لا يكون تأثيره على الإنسان قابلاً لذلك، خصوصاً عندما يدمّر صاحبات/أصحاب العمل النساء العاملات.

وبما يخصّ الآثار القانونية للعمل غير المرخّص للنساء في الجزائر، تنصّ القوانين أنّ عدم الامتثال للقانون يخضع للملاحقة القضائيّة. ويرى لعرابي بما يخصّ التدابير العمليّة التي يمكن اتخاذها للحدّ من انتشار هذه الظاهرة وتحسين وضع النساء في الجزائر، أنّه "بدون تنظيم العمّال في نقاباتٍ في القطاع الخاصّ، ستظلّ المرأة تعاني من حالة الفوضى. لدينا تشريعاتٌ تقدّميّةٌ إلى حدٍّ ما في هذا الشأن، لكنّها لا تطبّق، والدولة تغضّ الطرف عن هذه الممارسات. الإطار التشريعيّ موجودٌ، وهو لا يخصّ المرأة فقط." يضيف سمير لعرابي.

الإبحار في اللامساواة

في النهاية، تعكس هذه الحالة المعقّدة حال العمل تحت النظام الرأسماليّ، الّذي يعزّز التفاوت في الأجور والفرص. غالباً ما تتضرّر النساء الجزائريّات والمهاجرات بشكلٍ أكبر من هذا النظام الّذي يعزز الفجوات الجندريّة، ويجعل النساء في القوى العاملة عرضةً للتمييز والاستغلال. يتطلّب التعامل مع هذه التحدّيات إعادة تقييم النظام الاقتصاديّ والاجتماعيّ الّذي يساهم في خلق هذه الفجوات. يكون ذلك من خلال التوعية بضرورة المساواة الجندريّة وتعزيز دور النساء في جميع المجالات، إضافةً إلى تمكين النساء من الوصول إلى الوظائف والمناصب القياديّة.

يضاف إلى ذلك ضرورة توفير حمايةٍ قانونيّةٍ للنساء العاملات في القطاع غير الرسميّ لضمان حقوقهنّ. إن تعزيز التشريعاتٍ تقوية الجهود النقابية يمكن أن تمارس ضغطاً حقيقيّاً على أصحاب العمل في القطاع الخاصّ والحكومة لضمان التحوّل إلى الاقتصاد الرسميّ، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، لبناء مستقبلٍ أكثر إنصافاً وشموليّةً لجميع النساء، بغضّ النظر عن أصولهنّ أو ظروفهنّ.

ماجدة زوين هي صحفية وناشطة جزائرية تقدم برامج إذاعية وتعمل كصحافية مستقلة مع عدة منصات إعلامية عربية، وتلتزم أيضًا بنشاط في الدفاع عن حقوق النساء.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت

Friedrich-Ebert-Stiftung

المكتب الإقليمي للجندر والنسوية

202491 1 961+
338986 1 961+
feminism.mena(at)fes.de

من نحن

الانضمام الى نشرتنا النسوية