21.07.2022

الديناميات النسوية الشابة والرهانات الجديدة

كانت للمنظمات النسوية المغربية، منذ تأسيسها في منتصف الثمانينيات وخلال أزيد من عقدين من الزمن، مساهمة وازنة في الترافع من أجل الاعتراف بمبدأ المساواة ومناهضة التمييز ضد النساء. وقد مثَّلت الحقوق المدنية والسياسية الرهانات الأساسية لها. ونجحت، بفضل تعبئتها والتنسيق بين مكوناتها، في تحقيق عدد من المكتسبات وفي وضع القضية النسوية ضمن اهتمامات الفاعلين في الحقل السياسي، كما تمكنت من بناء هُوية نسوية مغربية.

وإذا كانت هذه المنظمات، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على نشأتها، لا تزال حاضرة في الساحة، فمن المهم الانتباه إلى بروز ديناميات نسوية جديدة، بنفَس جديد وأساليب وآليات مختلفة.

فما هي هذه الديناميات؟ وما هو السياق الذي ظهرت فيه؟ وما هي أهدافها؟ وما هي المقاربة والأدوات التي تعتمدها؟ وكيف تتموضع في الفضاء العمومي؟

يتعلق الأمر بـ "مجموعة نساء شابات من أجل الديمقراطية"، وائتلاف "خارجة عن القانون" وحركة "خميسة". والسبب وراء اختيارنا لهذه الديناميات هو ارتباطها بحركات اجتماعية أو أحداث ذات طبيعة سياسية، أدت بها إلى التموضع في الساحة بخطابات ورسائل تستهدف في عمقها منظومة الهيمنة الذكورية.

ديناميات جديدة في سياق مختلف

أولا: "مجموعة نساء شابات من أجل الديمقراطية": ابصرت النور في سنة 2012، من خلال شابات كُنَّ منخرطات في الإطارات الجماعية المختلفة، وشاركن في مختلف التظاهرات للمطالبة بالحرية والديمقراطية، خصوصاً من داخل حركة 20 فبراير. تمثلت أهدافها في: إضفاء الطابع الديمقراطي على البنية السياسية وخلق مناخ يضمن الحقوق والحريات؛ ضمان الحقوق الأساسية ونفاذ النساء كافة دون تمييز الى خدمات القرب العمومية؛ فضلاً عن إلغاء جميع التشريعات المجحفة على صعيد ممارسة الحريات الفردية، على رأسها الفصول 483، 489، 490، 491.

وتنظم المجموعة عدداً من الأنشطة في المجال التحسيسي، مثل حملة "بحالي بحالك" حول العنف ضد النساء في الفضاء العام، وحملة حول الحق في الهوية، بالإضافة إلى عقد لقاءات متنوعة. كما تقوم بتنظيم أنشطة الدعم والحماية للنساء الناجيات من العنف، إضافة إلى زيارات ميدانية مثل زيارة العاملات في القطاع غير المهيكل وقافلة إيطو تزلماظت في بولمان – المرس حول نساء الجبل والحق في الصحة والنفاذ إلى الخدمات الأساسية. كما تُعد توصيات لإطلاع الرأي العام وأصحاب القرار على نتائج هذه الزيارات.

وتعتمد في أنشطتها على الانتقال إلى الهوامش، واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي (الفايسبوك)، والصور والفيديوهات والبودكاستات، والتنشيط الإذاعي عبر "الإذاعة الجمعوية" (سمع ليها).

ثانيا: ائتلاف "خارجة على القانون": تم تأسيس "تحالف 490" مباشرةً بعد اعتقال الصحفية هاجر الريسوني بتهمة "الإجهاض غير القانوني" و"الجنس خارج الزواج"، في نهاية صيف 2019. وفي إشارة إلى المادة 490 من القانون الجنائي التي تجرّم العلاقات الجنسية خارج الزواج، صدر بيان بقلم ليلى سليماني وصونيا التراب، جاء فيه: "نعم، نحن نخرق كل يوم قوانين بالية أكل عليها الدهر وشرب. نعم عشنا أو لا زلنا نعيش علاقات جنسية خارج إطار الزواج مثل الآلاف من مواطنينا ". وتكمن أهداف الائتلاف في إلغاء مواد القانون الجنائي التي تعاقب بالسجن على الأفعال المتعلقة بممارسة الحريات الفردية كالعلاقات الجنسية خارج الزواج، والتوقيف الإرادي للحمل والمثلية الجنسية. وينظم الائتلاف عدداً من الأنشطة تتمثل أساساً في كل ما هو تحسيسي كحملة "صوت على الحب"، وحملة "لا للتحرش" وحملة "الحب ماشي جريمة".

يضاف إلى ذلك أنشطة ترافعية مثل: التوجه إلى الأحزاب السياسة خلال الانتخابات التشريعية لأيلول/سبتمبر 2021، ودعوة البرلمانيين للدفاع عن الحريات الفردية وإلغاء الفصل 490. كما تقوم بأنشطة الدعم والحماية لمؤازرة الناجيات من الاعتداءات الجنسية.

ومن الوسائل التي يعتمدها الائتلاف: الهاشتاج (احميني لا تسجني)، وشهادات مصورة (فيديو) عن الناجيات من انتهاكات الحرية الشخصية، وشهادات مكتوبة باللهجة المغربية، بالإضافة إلى خاصية البث المباشر "لايفات" على الإنستغرام، ولوحات من الفن التشكيلي، فضلاً عن جمع شهادات الناجيات من التحرش من التلميذات والطالبات (# MetooUniv).

ثالثا: "حركة خميسة": هي واحدة من بين التعبيرات الجديدة التي أعلنت عن ميلادها عبر بيانها التأسيسي الذي نشرته في صفحتها الخاصة على شبكة التواصل الفايسبوك بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2020، وقد جاء فيه: «إننا كنساء مغربيات نعتز كثيراً بما حققته نضالات الحركة الحقوقية النسوية في قضايا العنف ضد النساء بجميع أشكاله، (...) وتؤكد حركتنا على الإدانة المطلقة لجميع جرائم العنف الجنسي التي تتعرض لها النساء ونطالب بمنع إفلات الأشخاص المتورطين في جرائم الاغتصاب والتحرش والاستغلال الجنسي من العقاب".

وقد ظهرت في سياق محاكمة عدد من الصحفيين، الذين اعتبرتهم السلطات متورطين في قضايا الحق العام، وذلك بتهم الاعتداءات الجنسية من اغتصاب واتجار بالبشر. لكن "خميسة" تعتبر أن السلطات تُوظف قضية مناهضة العنف ضد النساء للتضييق على حرية التعبير. وتكمن أهداف هذه الحركة في الدفاع عن حقوق المرأة والوقوف ضد استغلال الدولة لقضايا النساء في ملفات سياسية لتصفية الخصوم.

وتتمثل أنشطتها بشكل أساسي في إصدار البيانات، وتنظيم اللقاءات (الافتراضية)، ونشر العرائض والترافع أمام المنتظم الدولي. وكلها مناسبات تؤكد فيها موقفها بخصوص التضييق الممارس من طرف السلطات على الحريات العامة من خلال استغلال القضية النسوية وتوظيف جسد المرأة.

قراءة في تجربة هذه الديناميات

وفي قراءتنا لتجارب هذه الديناميات، نستشف أنه حتى وإن كانت تلتقي كلها حول النضال ضد التحرش والاغتصاب والعنف، فهناك بعض القضايا التي تُميز كل واحدة عن الأخرى. فيلاحظ أن مجموعة نساء شابات تخصص جانباً مُهماً من نضالها للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وتحرص في هذا الإطار، على رصد وتتبع وجمع الشهادات من عين المكان، عبر انتقالها إلى أماكن تواجد النساء اللواتي يعانين من آثار السياسات النيو ليبرالية. وتهدف المجموعة من خلال الزيارات الميدانية إلى منح النساء فرصة للحديث عن معاناتهن من الاختلالات على مستوى البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والفقر والتهميش. ويكمن الهدف من هذا العمل في الحرص على التطرق عن كثب إلى قضايا المعيشة اليومية لنساء "الهامش" وإثارة انتباه السلطات العمومية. وما يفسّر تركيز هذه المجموعة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للنساء هو أنّ عضواتها نشأن في أحضان الحركات الاجتماعية وبعض الأحزاب اليسارية. حتى وإن لم تتخلَ المجموعة عن قضايا مرتبطة بالحريات، فهي تزاوج بينها وبين قضايا مرتبطة بمناهضة التمييز وإقرار المساواة في الحقوق، مع التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وبما أنّ هذه القضايا تستدعي وضعها في إطار أشمل، يظل التحدي المطروح يكمن في كيفية ربطها ببعد سياسي واقتصادي أوسع، ومنحها في الوقت عينه طابعاً نسوياً واضحاً.

أما بالنسبة لائتلاف "خارجة عن القانون"، فهو يطرح قضايا مرتبطة عموماً بالحريات الفردية حيث يزاوج في مقاربته بين التحسيس المُوجه للمجتمع والترافع اتجاه السلطات من أجل تغيير القوانين. ويتم اعتماد أساليب متنوعة في التحسيس، والحرص على إبراز بعض الممارسات التي تُبين نوعاً من التناقض وعدم الانسجام بين الخطاب والممارسة. ويستشهد الائتلاف في معركته هذه ببعض الأرقام كي يُظهر درجة التضييق الذي يُمارس طبقاً للمادة 490 من القانون الجنائي، كما يسعى إلى إبراز الجانب الذكوري عبر التنبيه للكلفة الاجتماعية التي تؤديها النساء مقارنة مع الرجال. فعلى سبيل المثال، في حالة حصول الحمل غير المرغوب فيه، تجد النساء أنفسهن في مواجهة مع القانون ومع النظرة المحافظة للمجتمع، في حين يتمكن الرجال من الإفلات من التبعات القانونية للحمل بعدم الاعتراف به، وفي الوقت عينه الإفلات من التبعات الاجتماعية نظراً لتساهل المجتمع معهم. ويسعى الائتلاف إلى وضع الأصبع على النظرة الذكورية للمجتمع وتفكيك ردود الفعل التي تُحَمل المرأة المسؤولية الكاملة عن "فعلها" وعن "فعل" الرجل، شريكها في الحمل. هذا ما دفع بالائتلاف إلى الدخول في معركة الدفاع عن الحريات الفردية عبر بوابتها الخاصة من خلال رفع تجريم العلاقات الرضائية بين بالغَيْن والمطالبة بالحق في الإجهاض.

إن هذه المقاربة التي تكشف النقاب عن "تناقضات" المجتمع هي التي سمحت بوضع قضية العلاقات الرضائية في فضاء النقاش العمومي وتسييسها والانتقال بها إلى مصاف قضايا الحريات. ويتميز الائتلاف بكونه فتح نافذة للنقاش والترافع من أجل قيمة الحرية متجاوزاً الترافع الذي يركز بالأساس على المساواة.

أما بالنسبة لحركة "خميسة" التي تعمل على فضح ورفض توظيف السلطات للقضية النسوية وتعاملها الانتقائي مع قضايا الاغتصاب، فإن صراعها الواضح هو أساساً مع السلطات. ويمكن اعتبار "خميسة" دينامية نسوية بنفَس سياسي واضح، لأنها ترفض سلوك السلطات السياسية والأمنية وتعتبر أن "توظيف" النساء واستغلال النضال ضد الاغتصاب مُسيء للنضال النسوي. إنه رفض لجعل النساء ناجيات بشكل مزدوج: الناجيات من الاغتصاب كأحد أشكال الهيمنة الذكورية، والناجيات من السلطوية التي لا تتردد في استغلال النساء وفرض الوصاية عليهن. هذا وترفض الحركة ادعاء السلطات حماية النساء من العنف الذكوري، من جهة لأن النساء، الناجيات الحقيقيات من التحرش والاغتصاب، تعترضهنّ عراقيل وتواجهن صعوبة في الإثبات، وهذا ما يحد من تقديمهن للشكاوى ويؤكد ضعف الإرادة لإنصافهن، وبذلك، ومن جهة أخرى تكون السلطات تمارس عنفاً أكثر ضرراً. يُستشف من مواقف الحركة أننا أمام سُلطوية سياسية تعتمد على معايير الذكورية وتوظف النساء انطلاقاً من أنهن الحلقة الأضعف. تُستغل النساء لضرب القضية النسوية وضرب النضال النسوي ضد نظام الأبوية، وتمسي المرأة وسيلة وناجية في الآن عينه. إن النضال النسوي لهذه الحركة يرفض الذكورية والسلطوية في الوقت ذاته، ويعتبر أن القضاء على الأولى يمر، أساساً، عبر مساءلة ورفض الثانية.

خلاصة عامة

ومن خلال قراءة تجربة هذه الديناميات، نستخلص ما يلي:

  • استفادتها من التراكم الذي يعود الفضل فيه لجيل النسويات السابق، وخصوصاً ما يتعلق ببناء "الهُوية النسوية" من جهة، ونجاحها في إدراج القضية النسوية في النقاش العمومي من جهة أخرى؛
  • تمكنها من إبراز تميزها وفي الوقت عينه حرصها على استقلاليتها وعدم تبعيتها لأية جهة كانت، بما في ذلك المنظمات النسوية من جيل الثمانينيات؛
  • تجديدها لطرح القضية النسوية وضخها بنَفَس سياسي بعد أن عرفت نوعاً من الفتور؛
  • قيامها من جديد بالربط بين القضايا العامة والقضية النسوية، سواء من حيث ربطها بقضية الديمقراطية أو قضية الحريات العامة أو عبر ربط الحقوق المدنية والسياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛
  • مزاوجتها بين التوجه للسلطات والتوجه للمجتمع عبر مقاربة تعمل على تفكيك منظومة الذكورية في الثقافة السائدة في المجتمع، وهو ما يسمح بعدم حصر النقاش في البعد القانوني وحده، على الرغم من أهميته؛
  • طرح القضية النسوية بعيداً عن التقاطب "الإيديولوجي" الحزبي، وفتح نقاش بشأنها ليشمل مختلف المؤسسات، مجتمعية كانت أو سياسية؛
  • استعمالها لوسائل متنوعة، واستفادتها من الوسائل التكنولوجية.

إذا كان النضال النسوي يستهدف بشكل عام القضاء على الهيمنة الذكورية، فإنه بالضرورة يتطلب تحديد رهان مركزي ويستدعي قراءة دقيقة للسياق تسمح برصد ما يمكن أن يشكل رهاناً. ومن خلال قراءتنا لتجربة الديناميات التي قدمناها، اتضح أن القضايا المطروحة تتّسم بالتنوع، وأن كل مجموعة اختارت قضية معينة تعتبرها أولويتها. ولعل أحد الأسباب التي تفسر محدودية التأثير لمختلف هذه الديناميات هو غياب التنسيق بينها. فإذا كان التنوع في طرح القضية النسوية له أهميته ودلالته، فإنه من المفيد جداً الانفتاح على منهجية تتقاطع فيها مختلف القضايا، المرتبط منها بقضية المساواة أو بقضية الحريات، إلى جانب الانفتاح على مختلف التعبيرات النسوية، سواء من جيل الثمانينيات أو من الأجيال الشابة. ويُعتبر التنسيق والتحالف من الآليات التي تمنح قوة عددية في النضال، ما يمنحها فرصة لتسييس مطالبها وفرضها ضمن أولويات المجتمع. فهل ستنجح هذه الديناميات في التنسيق بينها وتوحيد جهودها وتناول القضايا المتفق عليها وتحويلها إلى رهانات سياسية؟

لطيفة البوحسيني هي أستاذة جامعية, ناشطة في الحركة النسوية وكاتبة في مجال تاريخ الحركة النسوية في المغرب. هي أيضا" مدربة متخصصة في المرأة، ومتحدثة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت.

Friedrich-Ebert-Stiftung

المكتب الإقليمي للجندر والنسوية

202491 1 961+
338986 1 961+
feminism.mena(at)fes.de

من نحن