06.03.2023

الكفاح المستمر من أجل الخبز والورد

يتناول هذا المقال نبذة عن تاريخ يوم المرأة في العالم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويدعو إلى إعادة تسييس اليوم العالمي للمرأة.

تاريخ اليوم العالمي للمرأة

تعود جذور اليوم العالمي للمرأة إلى الحركات الاشتراكية في أوائل القرن العشرين في أوروبا وأمريكا الشمالية. وكان الهدف الرئيسي للحركات المؤسِسة لهذا اليوم اكتساب حق الاقتراع الشامل للنساء، إلا أنها طمحت أيضًا لتحقيق تغييراتٍ اجتماعيةٍ جوهرية على غرار إلغاء عبودية الأجر للعاملات والعمّال والعبودية المنزلية للنساء.

ففي عام 1909، أعلن "الحزب الاشتراكي الأمريكي" تنظيم اليوم العالمي للمرأة للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية في 28 شباط/فبراير، فاندلعت التظاهرات وعُقدت الاجتماعات في جميع أنحاء البلاد على إثر هذا الإعلان.

وفي عام 1910 التالي، طرحت قائدة "مكتب المرأة" في "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" الألماني كلارا زيتكن مسألة تنظيم يومٍ دولي للمرأة خلال "المؤتمر الدولي للنساء العاملات" بنسخته الثانية المنعقدة في كوبنهاغن. وانتهى المؤتمر بقرارٍ موحّد بالاحتفال بـ"يوم المرأة العاملة" كل سنةٍ من أجل الضغط لتحقيق المطالب النسائية.

وتم الاحتفال بـاليوم العالمي للمرأة للمرة الأولى في كل من النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا في 19 آذار/مارس 1911، حيث شارك أكثر من مليون امرأة ورجل في اجتماعاتٍ وتظاهراتٍ طالبت بحقّ النساء في التعليم والعمل والانتخاب وشَغل المناصب الرسمية. وفي وقتٍ لاحقٍ من العام نفسه، غيّرت النساء العاملات في الولايات المتحدة وسويسرا والدنمارك والنمسا تاريخ الاحتفال بـاليوم العالمي للمرأة إلى 8 آذار/مارس من كل سنة، وحذت عدّة دولٍ أوروبيةٍ حذوها في وقتٍ لاحق.

هذا وأصبح الاحتفال بـاليوم العالمي للمرأة في 8 آذار/مارس ممارسةً عالميةً بحلول ذكراه الرابعة عام 1914. وكانت الصورة الرمزية لهذا الاحتفال عبارة عن امرأةٍ ترتدي الأسود وتلوّح بعلمٍ أحمر كُتب تحتها شعار "نحو حق المرأة في الانتخاب – يوم المرأة / 8 آذار/مارس 1914". وتحوّل اليوم العالمي للمرأة بنسخته الرابعة إلى حركةٍ شعبيةٍ ضد الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بعد ثلاثة أشهر. فاعتبرت الحركات الاشتراكية (والحركات الديمقراطية الاجتماعية) أن الحرب كانت صراعًا بين الامبراطوريات أكثر منها حربًا من أجل المساواة والعدالة.

تاريخ الحركة النسوية العربية ويوم المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

جاء الكفاح من أجل تحرير النساء وحقوقهن الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سياق الاستعمار والكفاح من أجل التحرير. فقد كانت الحركات النسائية العربية متجذرةً في الكفاح القائم ضد الإمبريالية، قبل أن تتحوّل حقوق المرأة إلى قضايا سياسية بحدّ ذاتها.

وتوفّر مصر مثالًا مفيدًا في هذا الصدد. فكانت هدى شعراوي، وهي إحدى الناشطات اللواتي أسّسن "الاتحاد النوعي لنساء مصر" في آذار/مارس 1923، قد تعرّضت لإطلاق النار قبل أربع سنواتٍ من هذا التاريخ على يد جنودٍ بريطانيين خلال تظاهرةٍ مناهِضةٍ للاحتلال الاستعماري إلى جانب 300 رفيقة ناشطة. فتحيي مصر ذكرى هذه التظاهرة المنظمة في 16 آذار/مارس على أنها "يوم المرأة المصرية". هذا واكتسبت النساء المصريات حق الانتخاب والترشح للمناصب الرسمية في التاريخ نفسه تقريبًا من عام 1956 بعد استقلال مصر عن الحكم البريطاني.

ساهمت مشاركة النساء في هذه الحركات التحريرية الوطنية إلى إضفاء طابعٍ شرعي على المطالب النسائية في مجتمعاتهن. إلا أنه في بلدانٍ عدّة في المنطقة، كالجزائر مثلًا، لم تفضِ مشاركة النساء هذه إلى تحقيق مطالبهن بعد الاستقلال. فعلى الرغم من الدور الملحوظ الذي اضطلعت به النساء الجزائريات في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، تجاهلت الحكومة المحافِظة التي استلمت دفة الحكم بعد الاستقلال عام 1962 معظم المطالب النسائية ومررت قانونًا تمييزيًا للأسرة. وفي 8 آذار/مارس 1965، عادت النساء الجزائريات إلى الشارع للاحتفال بـاليوم العالمي للمرأة ومحاربة القمع الثقافي والاستغلال الاقتصادي والتهميش الاجتماعي.

أما تونس، وخلافًا للدول الأخرى في المنطقة، فأخذت مطالب النساء في عين الاعتبار لدى صياغة قانون الأحوال الشخصية في العام نفسه بعد حصولها على الاستقلال. ويحتفل الشعب التونسي بـ"يوم المرأة التونسية" في 13 آب/أغسطس، وهو تاريخ إقرار ما يُعرف بـ"مجلة الأحوال الشخصية" عام 1956. فقد منع هذا القانون تعدُّد الزوجات ووضع إجراءً قضائيًا للطلاق ونصّ على عدم إمكانية إبرام عقد الزواج إلا بالرضا والقبول المتبادل بين الطرفين.

وفي عام 1975، بدأت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" بالاحتفال بـاليوم العالمي للمرأة في 8 آذار/مارس وأعلنت سنة 1975 "السنة الدولية للمرأة". وفي إطار الأنشطة ذات الصلة بالسنة الدولية للمرأة، عقد "الحزب الديمقراطي اللبناني" اجتماعًا ضمّ ممثلين عن كافة الأحزاب السياسية اللبنانية من أجل مناقشة حقوق المرأة والتوافق على المطالب المشتركة. إلا أن الحرب الأهلية التي اندلعت في وقتٍ لاحقٍ من العام نفسه حالت دون إمكانية التوصل لأي توافقٍ سياسي بين الحركات اليسارية والليبرالية، وتمت إزاحة المسائل المرتبطة بقوانين الأسرة والتمييز على أساس النوع الاجتماعي من أجل تسهيل بناء التحالفات السياسية والعسكرية.

تشير الأمثلة المذكورة أعلاه إلى أن الدول المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تنخرط في اليوم العالمي للمرأة أو تحتفل به بالمستويات نفسها. فتحتفل أكثر من 150 دولة (بما فيها دول المنطقة) بهذا العيد اليوم، إلا أنه تم تجريد هذه الذكرى من جذورها الراديكالية بشكلٍ كبير.

فعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، وبرعاية "الأمم المتحدة"، يوظف اليوم العالمي للمرأة شركاتٍ راعية لهذا الحدث ويتبنى محاور غير مسيّسة. ففي الواقع، يروّج الموقع الإلكتروني الخاص بـاليوم العالمي للمرأة لصفحةٍ مخصصة لبناء الشراكات تتوجّه إلى الشركات الراغبة في إبرام علاقةٍ "مقابل رسم" لقاء تقديم المخرجات المتفق عليها. هذا وتحتفل الحكومات والمؤسسات الأبوية، التي تنتزع الربح من عمل النساء غير مدفوع الأجر أو مقابل أجرٍ غير عادلٍ في السوق كما في المنزل، بهذا اليوم أيضًا. وغالبًا ما تبني الحكومات الفاسدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شراكاتٍ مع منظمات "الأمم المتحدة" لعقد مؤتمراتٍ مخصصة ظاهريًا لاحتياجات النساء في المنطقة. ويتم اختتام هذه المؤتمرات في بعض الحالات بتقديم الزهور أو الهدايا للمشارِكات، في حين يتم استبعاد النساء اللاجئات والعابرات جنسيًا والعاملات المهاجرات من هذا النقاش بشكلٍ كبير، ولا يتم إيلاء مخاوفهن إلا اهتمامًا ضئيلًا.

مطالب المجموعات المعنية بحقوق المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وعليه، تسعى الحركات النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحقيق فهمٍ أكثر مراعاةً للجندر لظروفها الوطنية المعقّدة. ويتبنى العديد من الناشطات النسويات العربيات اليوم مقاربةً تقاطعيةً تربط تجاربهن اليومية بالمسائل الاجتماعية الأكبر ذات الصلة بالاقتصاد السياسي والجندر والعِرق.

هذا وتستمر النساء من حول العالم في تأدية غالبية العمل الإنجابي المضني في المنزل ومن دون أي أجر، وبات يُتوقّع منهن اليوم أيضًا العثور على عملٍ مدفوع الأجر وبناء مسيرةٍ مهنيةٍ مستقلة. ويتم إنفاق مبالغ أكبر على شعارات "تمكين المرأة" الفارغة كل يوم، في حين يتم حرمان الأمهات من الإجازة مدفوعة الأجر وخدمات رعاية الطفل بتكلفةٍ معقولة. فيعجز العديد من الأمهات الشابات والعاملات عن تحمُّل تكاليف التعليم والغذاء الصحي، حتى في الدول الغنية.

وقد نجحت الرأسمالية العالمية في تعميق استغلال وقت النساء وعملهن ومعاملتهن كمستهلكاتٍ جديداتٍ للسلع والخدمات زهيدة الثمن من دون تقديم أي "تحريرٍ اقتصادي" حقيقي. إلا أن الرأسمالية ليست المسؤول الوحيد عن مآسي النساء، إذ نبعت من واقعٍ أبوي متجذّر أساسًا خسرت فيه النساء المزايا الفردية والاجتماعية مع ظهور الحضارة المبنية على الزراعة وإرساء الحكم الإقطاعي والأملاك الموروثة.

وعلى ضوء الوقائع المذكورة أعلاه، طالبت مجموعاتٌ نسوية عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإعادة تسييس اليوم العالمي للمرأة بحجّة أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لم تتغير بشكلٍ جوهري منذ الإعلان عن اليوم العالمي للمرأة عام 1911. وتثبت الأدلّة المجمّعة من التظاهرات والحملات والتقارير التابعة للحركات النسوية العربية على مدى العقد المنصرم هذه المزاعم. ونتيجةً لما سبق، نطالب اليوم بما يلي:

  • سنّ قوانين للأسرة (قوانين للأحوال الشخصية) تعطي المرأة حقوقًا محسّنة ومتساوية في الزواج والطلاق والحضانة والميراث، إلخ.؛
  • إلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة، بما في ذلك قوانين العقوبات والعمل والضمان الاجتماعي وغيرها؛
  • الاعتراف بحق المرأة المستقل بأمن الحيازة بصرف النظر عن وضعها العائلي أو الاجتماعي وضمان حقّها في الوصول المتساوي إلى الإسكان؛
  • دفع أجور متساوية مقابل العمل ذي الطبيعة نفسها أو المشابهة من دون أي تمييزٍ ضد النساء الموظفات من حيث الراتب والنقل والتدريب والترقية، إلخ.؛
  • إلغاء نظام الكفالة وإدراج العمالة الأجنبية في قانون العمل وآليات الحماية ذات الصلة؛
  • تعديل وإنفاذ القوانين والسياسات المناسبة التي تحترم وتحمي وتلبّي حق الجميع في الصحة الإنجابية والجنسية؛
  • وضع سياساتٍ تقدّمية حول ساعات العمل وإيجاد ظروف عملٍ مرنة للأمهات العاملات؛
  • وضع حدٍّ لجميع أشكال العنف على أساس النوع الاجتماعي والإتجار بالبشر؛
  • إرساء قوانين صارمة ضد التحرّش الجنسي في مكان العمل؛
  • ضمان وتعزيز حقوق مجتمع الميم/عين؛
  • وتحرير الجميع من القمع والعنف.

1إن الشركة الراعية لليوم العالمي للمرأة هذا العام هي مؤسسة أمريكية تُعنى بتصنيع الآلات الزراعية والمعدات الثقيلة والآلات الحرجية ومحركات الديزل ومجموعات القيادة ومعدات العناية بالحدائق. والمثير للاهتمام أن هذه الشركة تخضع للمحاكمة على إثر دعوى مقدّمة من قبل "الاتحاد الوطني للمزارعين" ومجموعاتٍ أخرى مدافِعة عن الحق في التصليح، وذلك على إثر مخالفة الشركة "قانون الهواء النظيف" الأمريكي من خلال احتكارها سوق تصليح المعدات ومنعها المزارعين من تصليح معداتهم الخاصة.

سامنتا ايليا هي مديرة برامج لدى مؤسسة فريدريش إيبرت – المشروع الإقليمي للنسوية السياسية والنوع الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت

Friedrich-Ebert-Stiftung

المكتب الإقليمي للجندر والنسوية

202491 1 961+
338986 1 961+
feminism.mena(at)fes.de

من نحن