06.11.2023

الانتقال العادل والعاملات الزراعيات

يناقش هذا المقال أوضاع عاملات الزراعة على المستوى العربي، والأضرار التي تلحق بهن بسبب التغيرات المناخية، وكيفية دمج قضاياهن في أولويات الانتقال العادل.

يعتمد القطاع الزراعي على النساء، فدورهن مؤثر في اقتصاديات الكثير من الدول الزراعية ودول المنطقة العربية، حيث تبلغ نسب عاملات الزراعة 22% من إجمالي النساء المشتغلات. تفتقر العاملات الزراعيات إلى العمل اللائق، فرغم أن عدداً من الدول العربية لديها بعض التشريعات – سواء نصوص دستورية أو قوانين تنص على الحق في التنظيم النقابي والتأمين الصحي والاجتماعي مثل تونس ومصر والمغرب – لكن ثمة فجوة بين النص والتطبيق. فمثلاً، لا تتمتع العاملات الزراعيات بنظم حماية اجتماعية قوية، ولا توجد قاعدة بيانات محدثة للعمالة الزراعية مصنفة على أساس النوع، ولا يوجد أجر منتظم بسبب طبيعة العمل الفلاحي الموسمي.

استكمالا للممارسات التمييزية التي تعمّق تهميش وحرمان العاملات الزراعيات من حقوقهن، فإنهن يتعرضن أيضا إلى عنف اقتصادي عبر استبعادهن من الحق في تملك الأراضي. وتشير الإحصائيات الرسمية الوطنية والدولية ومنها تقرير الفاو لعام 2018 أن أقل من 5% من النساء يمتلكن الحيازات الزراعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

العنف المضاعف والمتعدد

تشكل بيئة العمل الزراعي مصدراً للتهديد والأمراض والمخاطر المهنية التي تتعرض لها النساء، مثل آلام الظهر، تضطر العاملات لتحمّلها والاستمرار في العمل لاحتياجهن إلى المال، بالإضافة إلى تحمُّلهن تكلفة العلاج. وقد وصل الأمر إلى تصنيف العراق للأعمال الزراعية على أنها من الأعمال الخطيرة والشاقة.

بالإضافة إلى ظروف العمل الجائرة هذه، والتي لا تُخرِج النساء من دائرة الفقر، فهنّ يقمن بالأعمال الرعائية، بما تتطلبه من أعباء بدنية واستنزاف لساعات من العمل داخل المنزل. كذلك يمارس النظام الرأسمالي الأبوي ضدهن أشكالاً متعددة من الاستغلال والتهميش والاستبعاد من مواقع صنع القرار.

كل ما سبق يجعل الطريق أمام العاملات الزراعيات عسيراً ومهدداً بالمزيد من المخاطر بسبب تأثير التغيرات المناخية. فالكثير من الدول العربية مهددة بالفيضانات بسبب ارتفاع منسوب البحار أو معدلات الأمطار، وغرق أراضي زراعية في العديد منها، مثل مصر والسودان؛ أو جفاف المياه وتوسّع رقعة التصحر كما هو الحال في تونس واليمن. كل ذلك قد يؤدى إلى تقلص شديد في مساحات الأراضي الزراعية. ولا يتوقف الأمر على مجرد ضياع فرص العمل، إنما قد تضطر مئات الأسر إلى الهجرة بحثاً عن السكن – وهنا سوف تتضاعف مسؤولية النساء في توفير الطعام ونقل المياه في ظل عدم توافر المرافق الصحية، ويزداد تعرض العاملات الزراعيات للعنف المضاعف والمتعدد (عنفٌ اقتصادي بسبب فقدان فرص العمل، وعنفٌ بدني وجنسي خلال عملية التهجير القسري).

الانتقال العادل

إنّ مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 ومسار الانتقال العادل هما مسارين متكاملين، كلاهما لا يمكن أن يتحقق إلا عبر ربط المحاور الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، واستهداف جميع الفئات في نطاق المعمورة.

الطريق ليس ممهداً أمام الانتقال العادل في الدول العربية التي تمرُّ بنزاعات مسلحة وحروب، ويتم استنزاف مواردها وإيقاف عملية التنمية فيها ويتعرض سكانها إلى التهجير. حتى الدول العربية الأخرى، إنما تمرُّ بأزمات اقتصادية عديدة بسبب الأحداث الدولية وارتباط الكثير منها بسياسات الهيئات التمويلية الدولية (ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يضعان شروط إقراض مجحفة تدفع الدول إلى سياسات الخصخصة وخفض مخصصات الدعم والنفقات العامة).

يجب أن تدرك الأنظمة العربية خطورة استمرار هذه الأوضاع، وأننا نحتاج إلى سياسات جديدة – مثل سياسة الزراعة المستدامة – تجعل دولنا أكثر استقراراً وقدرة على التحول إلى الاقتصاديات المستدامة بيئياً واجتماعياً، فهذه وحدها ستكون محركًا لخلق فرص العمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفقر، وإدارة الموارد الطبيعية على نحو مستدام. كلُّ هذا لا يتم إلا بمشاركة أطراف العملية الإنتاجية.

يجب تحقيق دمج النوع الاجتماعي وتحسين الوصول إلى الخدمات المستدامة بيئياً بتكلفة ميسورة، وخاصة للمقيمين في المناطق الريفية لكونهم أشد احتياجاً إلى الدعم والمساندة. تحقيق ذلك يتطلب وجود حوار اجتماعي بين أطراف العملية الإنتاجية وتمثيلاً عادلاً للنساء في جلسات الحوار.

كما يجب أن يشمل الحوار الاجتماعي قضايا الانتقال العادل، ومنها سياسات الزراعة المستدامة والمشاركة العادلة للعاملات الزراعيات؛ وأن يجرى الحوار في بيئة مواتية ومتوازنة لأطراف العملية الإنتاجية الثلاثة. لكي يتحقق ذلك علينا أن نعمل في دولنا على إزالة كل العقبات أمام التمثيل العادل للعاملات الزراعيات.

يتطلب العمل على دمج العاملات الزراعيات في الانتقال العادل من الحكومات والتنظيمات النقابية ما يلي:

  • قيام الحكومات العربية بإعداد قاعدة بيانات للعمالة الزراعية، تصنف على أساس النوع والمكان الجغرافي ومجالات العمل، ومن يعمل بأجر أو بدون أجر داخل الأسرة، ورصداً للمناطق الجغرافية التي تتأثر بالتغيرات المناخية.
  • قيام الحكومات العربية بإجراء بحوث وتقييمات أثر في الاقتصاد المستدام بيئياً، خصوصاً في القطاع الزراعي، على أن تعمم نتائجها على أصحاب الأعمال والنقابات والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والبرلمان، بما يساعد كل جهة على وضع تدخلاتها على أسس من المعرفة وفهم للواقع.
  • قيام الحكومات العربية بإصدار تشريعات تحمي حق النساء في ميراث الأراضي الزراعية، وتمكينهنّ من الحصول على حيازتها وإدارتها.
  • يجب على الاتحادات العمّالية في الدول العربية الاهتمام بتأسيس نقابات العمالة الزراعية، وتحفيز النساء على الانخراط في جميع الهياكل التنظيمية والقيادية.
  • يجب على النقابات إعداد ورقة عمل حول أثر المناخ على العمالة الزراعية تدمج منظور النوع الاجتماعي، وتدعو إلى إدارة حوار اجتماعي للخروج بخطة عمل تدمج العمالة الزراعية في خطط الانتقال العادل.
  • يجب أن تعمل النقابات في الدول العربية على تأسيس آلية للعمل المشترك، والتنسيق فيما بينها في المحاور المتقاطعة المتعلقة بأثر التغير المناخي على القطاع الزراعي والأضرار المضاعفة التي تتعرض لها العاملات الزراعيات.

بالإضافة لهذه الخطوات، يجب الأخذ بالتوصيات التالية:

الحماية الاجتماعية:

ينبغي على الحكومات إنشاء أنظمة حماية اجتماعية وفقاً لمعايير العمل الدولية، لكي تستجيب لآثار وتحديات التغير المناخي. يجب إعداد سياسات للحماية من العنف على أساس النوع الاجتماعي بجميع أشكاله، تضمن تقديم الوقاية والدعم، على أن يخصص ذلك من ميزانية الدولة. كما يجب إصدار تعديل تشريعي يمنح العاملة الزراعية إجازة وضع مدفوعة الأجر. ويجب أن تتولى الجهات المعنية بالتأمينات الاجتماعية توفير أجر للعاملة الزراعية أثناء فترة إجازة الوضع، وأن تتوفر بدور الحضانة التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية أماكن لأطفال العاملات الزراعية باشتراك مخفض.

تطوير المهارات:

سوف تقل فرص العاملات الزراعيات بسبب التغيرات المناخية، لذلك فإنه من الضروري إيجاد فرص عمل جديدة لهن، وذلك عن طريق إعداد برامج تأهيل وتحويل وتطوير مهني توفّر لهنّ فرص عمل بديلة، مثل الانخراط في مجال التصنيع الزراعي على سبيل المثال، وتكسبهن قدرة على إدارة المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، لاسيما ذات الصلة بالزراعة، وتعزيز إضفاء الطابع الرسمي على هذه المشاريع من خلال استخدام أساليب التعاونيات لمعاظمة القدرة المالية والعمل الجماعي.

السلامة والصحة المهنية:

تتصاعد معدلات إصابة العمالة الزراعية بالأمراض مع ارتفاع درجات الحرارة. لذلك نحتاج إلى تطبيق نظم تقييم للمخاطر الصحية ونظم الوقاية والحماية اللازمة.

أهمية التحرك الجماعي

لا يمكن أن تنجو دولة من آثار التغير المناخي لوحدها. نحتاج إلى تحرك جماعي من قبل المجتمع المدني والنقابات العمالية في دولنا العربية، وأن تضغط حكوماتنا على المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته بشأن إقرار وتنفيذ السياســات الدوليــة الرامية إلــى مواجهــة التغيــر المناخــي بشكل جدي – على أن تتضمن هذه السياسات جميع الفئات المهمشة بما فيها العاملات الزراعيات.


  • (1) الموقع الرسمي للبنك الدولي: https://data.albankaldawli.org/indicator/SL.AGR.EMPL.FE.ZS
  • (2) موجز سياسات الحوار الاجتماعي والعمل اللائق في قطاع الزراعة سبل تحسين بيئة العمل وتطبيق اشتراطات السلامة والصحة المهنية في العراق، منظمة العمل الدولية ،مايو 2023

منى عزت استشارية في التمكين الاقتصادي والاجتماعي والجندر في عدد من الهيئات الدولية ولديها العديد من المقالات والأوراق البحثية منشورة على المستوى الوطني والعربي.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت

Friedrich-Ebert-Stiftung

المكتب الإقليمي للجندر والنسوية

202491 1 961+
338986 1 961+
feminism.mena(at)fes.de

من نحن