10.06.2022

كيف تسترجع النساء في الجنوب العالمي مفهومهنّ للتمكين

لطالما كان تمكين المرأة في الجنوب العالمي خاضع لهيمنة التنمية النيوليبرالية الغربية. أما الآن، فتسعى النساء لاسترجاع مفهومهنّ للتمكين.

في خطوة تُعدّ انتصاراً ظاهرياً للنسويات في الجنوب العالمي، وضع إعلان ومنهاج عمل بيجين لعام 1995 خارطة طريق لتمكين النساء والفتيات على الصعيد العالمي. ففي ذلك الوقت، لم يكن مصطلح "التمكين" لفظاً شائعاً ورنّاناً كما هو عليه اليوم بل برز حينها كمفهوم جديد طرحته النسوية الهندية جيتا سين ومجموعة من الناشطات والباحثات النسويات الأخريات.

وشدّدت سين وزميلاتها على أهمية التمكين من خلال اعتماد نهج تصاعدي يركّز على أصوات النساء من الجنوب العالمي. لكن عندما قمن بدعوة الأمم المتحدة لاعتماد تعريفهنّ لمصطلح التمكين– وفيما بعد من خلال المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بيجين - لم يكنّ يعرفن بأن هذا التعريف سيُعطى شكلاً مغايراً وستطمس ماهيّته مع مرور الوقت. في الواقع، لقد تم تحويله من مفهومه السياسي الأصلي القائم على العمل الجماعي، والتضامن، والتكافل والنماذج التنموية المناهضة للاستعمار إلى مفهوم فردي وغير مسيّس يهمين عليه الطابع الغربي.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان لهذا التحول الذي طرأ على مفهوم التمكين– بدعمٍ من برامج المساعدة والتنمية النيوليبرالية – تداعيات خطيرة على آلية وضع الأجندات المرتبطة بحقوق المرأة وعلى وتيرة التقدم المحرز باتجاه تحقيق العدالة بين الجنسين. لكن في السنوات الأخيرة، يقوم عدد متزايد من النساء في كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتصدي لخطابات التمكين السائدة، وهنّ يسعين لاستعادة المفهوم الأصلي لمصطلح التمكين.

النسوية من الخارج

لقد أثّرت النسوية التي تركز على ذوات البشرة البيضاء، إلى حد كبير، على الأجندات التنموية للجهات المانحة الدولية، فنتج عن ذلك مقاربة لتمكين النساء والفتيات غير مسيّسة ولا تراعي البتة السياق، مقاربة تتجاهل عن عمد تأثير الإمبريالية، والاستعمار، والرأسمالية والعنصرية على حيوات النساء الآسيويات وذوات البشرة السوداء والسمراء في أنحاء الجنوب العالمي كافة. وقد لاقت هذه المقاربة التأييد والدعم من قبل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تسعى أيضاً لأن يكون مفهوم التمكين لا يشكك في علاقات القوة الحالية، أي أن يكون عبارة عن تمكين يتماشى مع مصلحة الدول في تعزيز سكان محايدين سياسياً ومندفعين بأوهام الرأسمالية.

وهكذا تم فرض "التمكين الخفيف" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت فئتين منفصلتيْن. الفئة الأولى، أي "التمكين السياسي"، اقتصرت في الأغلب على زيادة أعداد الناخبات والنساء في البرلمانات، مع تجاهل الكثير من التحديات الفعلية التي تعيق المشاركة المجدية للبرلمانيات والناخبات في العملية السياسية. أما الفئة الثانية، أي "التمكين الاقتصادي"، فهي تتعلق بمعظمها بزيادة المشاركة الرسمية للمرأة في سوق العمل من دون معالجة حقيقية لأي من العوائق الهيكلية التي تواجهها المرأة لدى دخولها سوق العمل أو مكوثها فيه. فعلى سبيل المثال، هذا النهج أيّد توفير التمويل البالغ الصغر للنساء من أجل إطلاق مشاريعهن التجارية الخاصة - ما يضع المخاطر على كاهل النساء أنفسهنّ وليس على كاهل الأسواق أو الدول. كما ركزه هذا "التمكين الاقتصادي" على تحقيق التكافؤ بين الجنسين داخل مكان العمل (الرأسمالي) حيث يعاني العديد من الرجال بالأساس من ظروف عمل استغلالية.

وبعد عقود من البرامج والمبادرات، حتّى أهداف التمكين غير المناسبة هذه بعيدة كل البعد عن التحقيق. فالمنطقة لا تزال تعاني من فجوة بين الجنسين بنسبة 87.4 في المائة من حيث مؤشر التمكين السياسي وبنسبة 60 في المائة من حيث مؤشر التمكين الاقتصادي، وذلك بحسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2021.

لا تمكين من دون إعادة توزيع السلطة

لقد دفع عقد من انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي النساء والنسويات في جميع أنحاء المنطقة للتركيز مجدداً على إعادة توزيع السلطة خلال النقاشات والحوارات المرتبطة بالتمكين. ومن خلال سعيهنّ لاستعادة الفهم النسوي للتمكين، هن يتصدّين بشكل ناشط وجماعي للأنظمة التي قلّصت دورهن في الحياة العامة لمجرد دعم المشاريع الرأسمالية والاستبدادية. إنّها الأنظمة نفسها التي أباحت تقليص جودة التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، والخدمات العامة والتي تُعتبر كلّها مكونات أساسية لتمكين النساء والفتيات بشكل حقيقي.

النساء من شتى الخلفيات، كنّ ولا يزلن، في الخطوط الأمامية للاحتجاجات المطالبة بتحقيق المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية في العديد من بلدان المنطقة. ففي الأشهر القليلة الماضية وحدها، وقفت النساء السودانيات بشراسة ضد العسكرة والعنف الجنسي، متمسكات بشدة بالمكاسب السياسية التي جاهدن لتحقيقها إلى جانب مواطناتهن السودانيات. وكمثال آخر، أضيق نطاقاً لكن بالأهمية ذاتها لناحية التمكين، تصدّت مجموعة من الطالبات اللبنانيات في طرابلس للنظام الأبوي الذي كان يقمع محاولاتهم لاستدعاء معلم متحرّش. وقد نظموا احتجاجات وتوعّدوا بتوجيه اتهامات قضائية ضده.

لم تعد الرمزية في المجالين الاقتصادي والسياسي كافية للإبقاء على الأوهام التي تزعم وجود إرادة سياسية جادة لتمكين المرأة. فعلى سبيل المثال، حين تم تعيين أول رئيسة وزراء في المنطقة في أيلول/سبتمبر 2021 في تونس، ترددت الناشطات النسويات والجماعات النسوية في الاحتفال بذلك. وقد انتقدن الرئيس التونسي لاستخدامه "بطاقة المرأة" لتعزيز أجندته الخاصة، وكسب الدعاية الإيجابية والدعم من الغرب في وضع مريب سياسياً.

إن حصر المرأة المتمكنّة في الصورة الرأسمالية غير المسيسة التي تركّز على ذوات البشرة البيضاء - أي المرأة العصرية والمستقلة، ذات الطابع الغربي، والتي تتقاضى أجراً مرتفعاً- واعتبارها النسخة الوحيدة من المرأة غير المضطهدة لم يعد مقبولاً الآن. فالنساء في المنطقة يُشدن بتميّزهنّ ويجاهرن باختلافاتهن وجذورهن الثقافية وإحساسهن بالانتماء للمجتمع وبما يتمتعن به من شغف وعاطفة.

تتصدى الناشطات النسويات بالتحديد "للنسوية البيضاء"، والتي هيمنت على المشهد النسوي العالمي. هنّ يعملن على تغيير نظام التمويل الذي حد من نطاق عملهن وعلى إظهار كيف أن النسويات في المنطقة هن في الواقع شريكات متساويات في السعي لتحقيق العدالة بين الجنسين على الصعيد العالمي. وخير مثال على ذلك موقف الكاتبة والناشطة النسوية منى الطحاوي التي رفضت بحزم وغضب توصيف رائدة النسوية المصرية نوال السعداوي عند وفاتها بأنها "سيمون دي بوفوار العالم العربي" من قبل وسائل الإعلام الغربية.

قدرتنا على التحكم بمستقبلنا وحياتنا وأجسادنا؛ هذا هو التمكين الذي تسعى إليه النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هنّ يطالبن بالحصول على الدعم الجاد اللازم لتمكين كافة النساء والفتيات بشكل فعلي. وهنّ أيضاً يستكشفن أساليبهنّ الخاصة في المقاومة وطرقهنّ الاستثنائية للتمكين سواء توفّر هذا الدعم أم لا.

فرح دعيبس

فرح دعيبس مديرة أولى لبرنامج مشروع "النسوية السياسية” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الخاص بمؤسسة فريدريش إيبرت.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت.

Friedrich-Ebert-Stiftung

المكتب الإقليمي للجندر والنسوية

202491 1 961+
338986 1 961+
feminism.mena(at)fes.de

من نحن