15.04.2022

التصدي للنسوية الزائفة في لبنان

في خضم الأزمة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية الحادة وغير المسبوقة التي تعصف بلبنان، بات هذا البلد اليوم مسرحاً لشتى أشكال "النسوية الزائفة". النسوية الزائفة هي عبارة عن أشخاص ومجموعات ومواقف تعرّف عن نفسها على أنها "نسوية" لكنها في الواقع تخفق، بوعي أو بغير وعي، في التصدي للأسباب الهيكلية للقمع الجنساني في البلاد، وليس هذا فحسب، بل تذهب إلى حد إعادة إنتاج القمع والاضطهاد. ما هي بعض مصادر ومظاهر النسوية الزائفة في لبنان، وكيف تقوم النسوية التقاطعية بالتصدي لها على نحو فاعل؟ هذه هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عليها.

النسوية الزائفة: "نظام الكفالة ليس بهذا السوء"

تغزو النسوية الزائفة أو "المخففة" وسائل التوصل الاجتماعي من خلال مناصريها الذين يركّزون على أشكال محلية من المطالب الداعية إلى إجراء إصلاحات سطحية تخدم على ما يبدو عدداً صغيراً وفئة محددة من النساء المتوافقات الجنس، من ذوات الامتيازات أساساً. من خير الأمثلة على ذلك، المطالب الآمنة الداعية إلى "مزيد من النساء على الطاولة"، و"نساء في مجالس الإدارة"، و"رائدات أعمال"، "ودبلوماسيات وبناة سلام من النساء"، وحتى "نساء يزرعن الأشجار". لطالما شكّلت مشاركة المرأة وتمثيلها مطلباً جوهرياً للحركات المعنية بحقوق المرأة على مرّ الزمن، إلا أن هذا المظهر، كما نراه اليوم، يفشل بوعي في إدراك طبيعة النظام السياسي والاقتصادي في لبنان بالذات، وهو نظام يرتكز على المبادئ الأبوية الصارمة للطائفية الدينية، وغياب مسؤولية الدولة ومفهوميْ "السبب الوجودي" و"عدم التدخل" الشهيرَيْن في لبنان.

وهذا ما تشجعه أيضاً المنظومة النسوية التابعة للدولة في لبنان، لاسيما الجهاز الوطني للمرأة الذي يعمل تماشياً مع أولويات وطريقة عمل النظام وإيديولوجيته الأبوية. فعلى سبيل المثال، مؤخراً، وفي أوج الأزمة التي تعاني منها العاملات المنزليات المهاجرات في لبنان، اعتبرت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أن نظام الكفالة المشين الذي يبقي على علاقة الاستعباد بين العاملة وكفيلها "لا يزال مفيداً لكنه يحتاج إلى تطبيق بشكل أفضل".

ويقوم مناصرو ذلك التوجّه، من القطاع الخاص ومن أوساط من يُعرفون بـ"المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي"، بإعادة إنتاج هذا التوجه من خلال الاستمرار في الترويج لنسخة من النسوية يكون الأمر فيها متروكاً للمرأة كي "تتقدم إلى الأمام" وتصبح واثقة من نفسها بطريقة سحرية، وحينها فقط ترّحب بها نظم السلطة بأذرع مفتوحة. وفي هذه الحالة، يتم تصوير التمكين على أنه شيء يمكن للمرء استحضاره من الداخل، وبمساعدة الفيديوهات على تيك توك ومن خلال الصور الملهمة للـ"المؤثرات" على وسائل التواصل الاجتماعي وهنّ يصافحن الأشخاص ذوي النفوذ ويهنئن أنفسهن بالنجاح الذي حققنه في عالم الرجال هذا.

التصدي للوضع الراهن

من ناحية أخرى، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن، شهد لبنان ظهور جيل جديد وموجة جديدة من النسوية التقاطعية التي تتبنى خطاباً تحويلياً وسياسياً واضحاً يعالج الأسباب الجذرية للتمييز الهيكلي الممارس ضد النساء والأشخاص غير الثنائيين. وقد شاركت هذه المجموعات في التعبئة الجماعية وفي إنتاج المعارف النسوية، وتعمّدت النأي بنفسها عن الكيانات والمساحات النسوية الزائفة، فضلاً عن عملها القوي والشامل على الأرض وقيامها بإنشاء مساحات آمنة ورعايتها. هذا وتعمل مجموعات نسوية أخرى على إلغاء المحرّمات المجتمعية من خلال إبراز وتطبيع وتسييس المعارف والأعمال والخدمات المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية وكذلك تلك المرتبطة بالدورة الشهرية وبالصحة أثناء فترة الحيض. وفي تحدٍّ جريء لتصريح الرئيسة الحالية للهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية حول فائدة نظام الكفالة، تنخرط الجماعات النسوية بشكل مباشر مع العاملات المنزليات المهاجرات في محاولة لإسماع أصواتهن وتعبئة جميع الأطراف المعنية لدعم النضال من أجل إلغاء نظام الكفالة. أخيراً، وعقب ما خلّفه الانفجار المشؤوم لمرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 من دمار ويأس وإحباط، وحين تجاهل النظام ببساطة التأثير غير المتكافئ والمدمّر لهذا التفجير الإجرامي على مجتمع الكوير الذي عمل أفراده بجد لخلق مساحة آمنة لهم، تم إنشاء تحالف بقيادة أشخاص من الكوير ليس فقط من أجل معالجة الخسائر الفادحة في الأرواح وسبل العيش والمعنويات، بل أيضاً بغية تقديم مثال قوي يظهر كيف تكون النسوية التقاطعية الحازمة والجادة.

ومن خلال القيام بذلك، تعمل هذه المجموعات على إعادة تحديد موقع العمل النسوي، وإعادة وضع تصوّر له وإعادة تسييسه ضمن السياق اللبناني، مع السعي لإعلاء الأصوات الأقل سمعاً والتصدي للأصوات العالية التي غالباً ما تكون مدججة بالموارد.

نحو أملٍ جذري بإحداث تغيير جذري

تشكّل النسوية الزائفة تهديداً خطيراً حيث أنها تطلق روايات عنصرية ومتحيزة جنسياً في آن مقدّمةً إيّاها كمطالب "نسوية". نذكر هنا الحجة التي تقدمت بها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية حول إنكار حقوق المرأة بالجنسية على قدم المساواة مع الرجل، التي تحرم عمداً النساء اللبنانيات اللواتي يحمل أزواجهن جنسيات "مرغوبة بنسبة أقلّ من غيرها" (مثل الجنسية الفلسطينية، السورية، إلخ.) من التمتع بهذا الحق، وتشجّع صانعي السياسات والجهات المانحة على تبني نهج "آمن" لحقوق الإنسان وجعل العمل يقتصر على الإصلاحات السطحية التي تضمن بقاء الوضع الراهن على حاله في حين تتمتع قلة قليلة من أصحاب الامتيازات بفرص أفضل.

مؤخراً، وخلال نقاش في الجامعة الأميركية في بيروت، سأل الناشط الكويري طارق زيدان من جمعية "حلم" جمهوره عن سبب هذا التردد بين النسويات الزائفات في التصدي للوضع الراهن وبقائهن مقيديات ومحصورات في القيود التي يفرضها النظام الثنائي للنوع الاجتماعي على النحو الذي يوافق عليه النظام الأبوي. فجاءت الإجابة على سؤاله كالتالي: "لأنه بسيط... لأنه لا يتطلّب أو ينتج تغييراً جذرياً". مع ذلك، وعلى الرغم من روايات النسوية الزائفة ومرتكبي هذه المظاهر، إلا أن هناك شكلاً متنامياً ومتنوعاً من النسوية التقاطعية، وهو ينشط على الأرض ويُعتبر مصدراً للتغيير الجذري وللأمل الجذري في لبنان اليوم.

لينا أبو حبيب ناشطة نسوية ومديرة معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت.

Friedrich-Ebert-Stiftung

المكتب الإقليمي للجندر والنسوية

202491 1 961+
338986 1 961+
feminism.mena(at)fes.de

من نحن