يستعرض هذا المقال الطرق التي تتيح للتدوين النسوي القدرة على إعادة تسييس الحركات النسوية، ويقدّم لمحة حول الاستراتيجيات الخطابية المستخدمة في مدونات النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بغية تعزيز النشاط النسوي والتضامن النسوي العابر للحدود.
لم تتوقف قط عن الكتابة. هي تشتاق إلى قرائها، ولا تزال تكتب. الكتابة هي الحياة. الكتابة هي الوجود. الكتابة هي كل شيء في حياتها. لم تفهم قط لماذا يريدونها أن تتوقف عن القيام بذلك. الآن وقد جُرّدت من كلماتها، باتت الكتابة عبارة عن معركة! هي تقاتل مستخدمةً إمّا قلمها أو لوحة مفاتيحها... الاستسلام؟ لا بد أنك تمزح!! بن مهنّي، 2010
لينا بن مهنّي ناشطة تونسية بارزة، رفعت صوتها من خلال مدونتها "بنيّة تونسية" مؤكدةً أن "الكتابة باتت عبارة عن معركة!" وأنها ستقاتل "مستخدمة إمّا قلمها أو لوحة مفاتيحها". وبعد أن تم حجب مدونتها في بداية الثورة التونسية في عام 2010، تمرّدت ضد النظام القمعي الذي يحاول إسكاتها بشكل منهجي. وتقول لنا بن مهنّي إن التعبير عن آرائها وأفكارها بات صراعاً لكنها لا تود الاستسلام لأن الكتابة ليست مسألة شخصية فحسب بل سياسية.
لجأت الكثير من الناشطات النسويات في لبنان، وتونس، وسوريا، واليمن ومصر إلى التدوين بسبب مشاعر الإحباط والغضب جرّاء عدم وجود مساحة لأصواتهن في وسائل الإعلام التقليدية. لقد أردن تقديم روايات بديلة وخطابات موازية تدعو إلى التغيير الاجتماعي (خارج القواعد الأبوية المعيارية المغايرة). لقد واجهت الكثير من هذه الأصوات ردود فعل عنيفة عقب المساهمة في هذه المنصات الرقمية، مع تحوّل العنف الرقمي إلى شكل آخر أو امتداد لكافة أشكال العنف الذي واجهنه في الشوارع والمظاهرات. أعمال العنف الجسدي والجنسي والسياسي التي تمت ممارستها ضد المدافعات عن حقوق الإنسان من أجل إسكاتهن وتشويه سمعتهنّ وترهيبهنّ، هي أمور مرّت مرور الكرام ولم يتم الاعتراف بها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها.
بعد مرور أحد عشر عاماً على الانتفاضات المدنية والسياسية العديدة التي شهدها العالم العربي عقب الثورة التونسية والإطاحة بالديكتاتور بن علي – وهي حقبة شكّلت فصلاً جديداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي حياة العديد من الناشطات – يتوجب علينا اليوم وضع التدوين النسوي ضمن الطابع الزمني حيث أنّه يركز على جوانب مختلفة من موضوع دينامي وواسع للغاية في مشهد رقمي دائم التوسع. تضع المدونات استراتيجيات عدة للتغلّب على التحديات الكثيرة التي تواجهها الناشطات النسويات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي تعمل على تنظيم وحشد وإظهار التضامن ضد النظام الأبوي وكافة الأنظمة التي تدعمه. ويبقى التدوين النسوي من الاستراتيجيات التي يتم اعتمادها حالياً لإعادة تسييس الحركة النسوية وتقويتها في جميع أنحاء المنطقة.
إنّ التحكم بالمدونات أصعب من التحكم بوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة. بالتالي، في المجالات الحساسة سياسياً، غالباً ما تسعى الأنظمة الاستبدادية إلى قمع المدونات و/أو مضايقة ومعاقبة الجهات المشرفة عليها. في الواقع، لقد لجأ الناشطون إلى التدوين كأداة للعمل السياسي بمساعدة الإنترنت، والتقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تساهم في نشر الأخبار عن الموجات الاحتجاجية المقبلة بشكل سريع. وخلال عقد من الزمن، غيّرت هذه التقنيات بشكل ملحوظ الأنماط المتغيّرة بشكل دائم للنشاط النسوي وللحركة (الحركات) النسوية العابرة للحدود.
لقد استخدمت المدونات والناشطات النسويات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كتاباتهنّ لفضح القمع المستمر بشكل استراتيجي. تنتج ممارساتهنّ في التدوين معارف وهويات وتنطوي على استراتيجيات مختلفة لتزعزع استقرار السلطة وتتحدى الخطابات الاستبدادية، والليبرالية الجديدة، والاستعمارية الجديدة والأبوية المهيمنة. ومن خلال خطابهن الإيجابي، ولهجتهنّ العاطفية أحياناً مقرونةً بالاستعارات والقصائد وأساليب مختلفة من الكتابة والوسائط المسموعة والمرئية، تعكس تدوينات النساء أشكالاً مختلفة من التعبير عن المقاومة الفردية والجماعية.
يمكن تصوّر التدوين النسوي على أنه عبارة عن أرشيفات تاريخية للنسوية، كونه يوثّق الأحداث الاجتماعية والسياسية ويصنع ذكريات تُطبع في الأذهان. يعد إنتاج المعرفة النسوية ممارسة طويلة الأمد للنشاط النسوي، وبالتالي، يُنظر إلى توثيق التاريخ على أنه تكوين للذكريات قد يؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة موازين القوى. ومن خلال هذه العملية الديناميكية، يمتلك المدوّنون مساحة للتعبير عن الأصوات الأخرى ووجهات النظر المتداخلة. كما أن الصور القوية والمواد المسموعة والمرئية المشمولة في الخطاب الإيجابي لنصوص المدونات تتيح لنا، من دون أي رقابة، فهم ما يحصل من هجمات غير قانونية فضلاً عن أشكال العنف الذي تمارسه الأنظمة بحق الناشطين، والمدونين والصحفيين والمواطنين على الأرض. كما أن هذه الاستراتيجية هي عبارة عن عملية جمع للأدلة المرتبطة بجرائم مماثلة، طبع ما حصل خلال الأحداث في الذاكرة، وبالتالي تُعتبَر بحد ذاتها عمل مقاومة.
يثير التدوين الذي تمارسه الناشطات النسويات الأسئلة التالية: كيف نضمن الاعتراف بهذه الأعمال السياسية على أنها كتابة التاريخ تضع قصص النساء في المركز؟ كيف نضمن بقاء واستمرارية المعارف التي تنتجها المدونات النسويات في العصر الرقمي؟ هذه الأسئلة هي مجرد نقاط انطلاق للبحث المتعدّد التخصصات تضيء على ضرورة أن يتم الاسترشاد بهذه الروايات القيّمة في التدخلات الأكاديمية والاجتماعية والسياسية وصنع السياسات.
تنبثق عن ممارسات النساء في التدوين دروس جديدة للنسوية العابرة للحدود، وهي تساهم في المناقشات بشأن التضامن الشامل والهادف. على سبيل المثال، حشد مجتمعات التدوين من أجل التصدي للاضطهاد والعنف وتحقيق التغيير التشريعي، والعدالة، والمساواة والكرامة للجميع، هو جزء من دعوات متعددة للإطاحة بالأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تُعتبر أبوية. وقد لعب التدوين النسوي خلال الثورات العربية في عام 2011 دوراً هاماً في التواصل مع الحركات المحلية لبناء التضامن والأخوة العابريْن للحدود، ويستمر هذا الدور في التوسع والتطور ليتحول إلى قوة فاعلة. ومن الأمثلة الأخرى، الحشد الذي رأيناه حول قضايا الأمن الرقمي والكراهية عبر الإنترنت ما أدّى إلى تغيير القوانين الوطنية ووضع قرارات تتعلق بالمرأة والمجال الرقمي. إن الدافع الأساسي وراء هذه التغييرات هو التضامن. وتمتد هذه العملية الدينامية إلى ما وراء الحدود المساحات الجغرافية.
وفي مسار المراحل التطورية الجديدة في الحركات الاجتماعية المعاصرة، تكشف المحادثات التي تجري في المدونات عن مجتمعات حديثة التكوين تحتجّ وتروّج للتنوع والعدالة الاجتماعية. والأهم من ذلك أنها تمنح الاعتراف السياسي للمرأة. يسلط ذلك الضوء على قيمة الديمقراطية التواصلية من خلال المشاركة الحوارية، وهي ممارسة دينامية للمواطنة تشارك في مجموعات المعارضة المتعددة، المحلية والعالمية، والمترابطة. إن الطابع المحلي والعالمي يتيح للأصوات النابعة من الهامش بأن تكون مرئية ويسمح بزعزعة استقرار السلطة من خلال إنشاء مجتمعات الكترونية تكون شاملة ومتعددة الجوانب. إن انخراط النساء في عالم التدوين النسوي يجمع ما بين الحقائق المحلية والمنظورات العالمية. كما أن المدونين المنخرطين في منصات الدعوة الرقمية مثل Global Voices و Medium و Majal، يحضرون تجارب النساء وأصوات أولئك اللواتي يعشن في المنفى والشتات من الهامش إلى المركز، ويقدمون تحليلات سياسية نقدية. هذه المشاركة التفاعلية في النظام الحيوي للمنصات الرقمية تسد فجوة ثقافية وسياسية، وتتخطى الحدود المحلية والأنظمة القمعية.
يُعدّ التدوين، إلى جانب المدونات المرئية والبودكاست (على سبيل المثال سلسلة البودكاست حمّام راديو ومساحة)، من الأدوات الحيوية في الجهود المبذولة لإعادة تسييس الحركة (الحركات)، وذلك على النحو التالي: 1) هي تساعد في إعادة مواءمة المجموعات النسوية مع المبادئ النسوية الأساسية، 2) تتشارك وتنتج المعارف التي تسد الفجوات القائمة بين النشاط النسوي والنظرية النسوية، 3) تجعل المعارف النسوية في متناول مجموعات متنوعة من النساء، 4) تسهّل وتوفّر مساحة للحوار حول التغيير الاجتماعي، والمطالب والرؤى المشتركة للعدالة الاجتماعية، 5) تعتمد استراتيجيات خطابية متنوعة من خلال الشبكات والمنصات الرقمية للمقاومة "العالمية والمحلية" ولحشد الجهود الجماعية للنساء كافة من قِبل النساء كافة بغية الكشف عن وجهات النظر الأساسية للفئات المهمشة. تواصل هذه المشاريع التحررية التشاركية تذكيرنا بأن النسوية متجذرة في صوت كل امرأة في كل مرة تواجه فيها القهر والاستغلال والظلم.
كريستينا كايلي حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة قبرص مع مرتبة الشرف الأولى (طالبة متفوقة)، وعلى ماستر في حقوق الإنسان من كلية لندن الجامعية. شهادتها الجامعية هي في علم الاجتماع مع تخصص فرعي في العلوم السياسية من جامعة قبرص. تشمل اهتماماتها البحثية علم الاجتماع السياسي، والنظرية النسوية، وحقوق الإنسان، وحركات العدالة الاجتماعية، وتحليل الخطابات ووسائل التواصل الاجتماعي/وسائل الإعلام الجديدة. لديها 15 عاماً من الخبرة كمهنية وناشطة في المجتمع المدني، عملت خلالها على تعزيز المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة في قبرص، عبر شرق المتوسط وأوروبا. وكتابات كريستينا في هذا المجال كثيرة أيضاً، فقد قامت بتأليف أو المساهمة في عدد من المنشورات، بما في ذلك التقارير البحثية ونماذج التعلم الإلكتروني والمقالات الصحفية. يستند هذا المقال إلى البحث الذي أعدّته لنيل درجة الدكتوراه، والمعنون: ‘Glocal’ Voices: Feminist Blogging Reconstructing Political Participation.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مؤسسة فريدريش إيبرت.
202491 1 961+338986 1 961+feminism.mena(at)fes.de
This site uses third-party website tracking technologies to provide and continually improve our services, and to display advertisements according to users' interests. I agree and may revoke or change my consent at any time with effect for the future.
These technologies are required to activate the core functionality of the website.
This is an self hosted web analytics platform.
Data Purposes
This list represents the purposes of the data collection and processing.
Technologies Used
Data Collected
This list represents all (personal) data that is collected by or through the use of this service.
Legal Basis
In the following the required legal basis for the processing of data is listed.
Retention Period
The retention period is the time span the collected data is saved for the processing purposes. The data needs to be deleted as soon as it is no longer needed for the stated processing purposes.
The data will be deleted as soon as they are no longer needed for the processing purposes.
These technologies enable us to analyse the use of the website in order to measure and improve performance.
This is a video player service.
Processing Company
Google Ireland Limited
Google Building Gordon House, 4 Barrow St, Dublin, D04 E5W5, Ireland
Location of Processing
European Union
Data Recipients
Data Protection Officer of Processing Company
Below you can find the email address of the data protection officer of the processing company.
https://support.google.com/policies/contact/general_privacy_form
Transfer to Third Countries
This service may forward the collected data to a different country. Please note that this service might transfer the data to a country without the required data protection standards. If the data is transferred to the USA, there is a risk that your data can be processed by US authorities, for control and surveillance measures, possibly without legal remedies. Below you can find a list of countries to which the data is being transferred. For more information regarding safeguards please refer to the website provider’s privacy policy or contact the website provider directly.
Worldwide
Click here to read the privacy policy of the data processor
https://policies.google.com/privacy?hl=en
Click here to opt out from this processor across all domains
https://safety.google/privacy/privacy-controls/
Click here to read the cookie policy of the data processor
https://policies.google.com/technologies/cookies?hl=en
Storage Information
Below you can see the longest potential duration for storage on a device, as set when using the cookie method of storage and if there are any other methods used.
This service uses different means of storing information on a user’s device as listed below.
This cookie stores your preferences and other information, in particular preferred language, how many search results you wish to be shown on your page, and whether or not you wish to have Google’s SafeSearch filter turned on.
This cookie measures your bandwidth to determine whether you get the new player interface or the old.
This cookie increments the views counter on the YouTube video.
This is set on pages with embedded YouTube video.
This is a service for displaying video content.
Vimeo LLC
555 West 18th Street, New York, New York 10011, United States of America
United States of America
Privacy(at)vimeo.com
https://vimeo.com/privacy
https://vimeo.com/cookie_policy
This cookie is used in conjunction with a video player. If the visitor is interrupted while viewing video content, the cookie remembers where to start the video when the visitor reloads the video.
An indicator of if the visitor has ever logged in.
Registers a unique ID that is used by Vimeo.
Saves the user's preferences when playing embedded videos from Vimeo.
Set after a user's first upload.
This is an integrated map service.
Gordon House, 4 Barrow St, Dublin 4, Ireland
https://support.google.com/policies/troubleshooter/7575787?hl=en
United States of America,Singapore,Taiwan,Chile
http://www.google.com/intl/de/policies/privacy/